وثالثها : أن المؤمن إذا اتّفق له مثل هذا الخطأ ، فإنه يندم ويتمنّى ألّا يكون ذلك ممّا وقع ، فسمّى الله ذلك النّدم والتّمنّي توبة.
ثم قال ـ تعالى ـ : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بأنّه لم يقصد «خطأ» لما حكم به عليه ، ولم يؤاخذه بذلك الفعل الخطأ ، فإن الحكمة تقتضي ألّا يؤاخذ الإنسان إلا بما يتعمّد.
قال أهل السّنّة : أفعال الله ـ تعالى ـ غير معلّلة برعاية المصالح ، ومعنى كونه «حكيما» : كونه عالما بعواقب الأمور.
قال المعتزلة : هذا باطل ؛ لأنه ـ تعالى ـ عطف الحكيم على العليم ، فلو كان الحكيم هو العليم ، لكان عطفا للشّيء على نفسه ، وهو محال.
الجواب : أن كل موضع في القرآن [ورد فيه](١) الحكيم معطوفا على العليم ـ كان المراد من الحكيم : كونه محكما في الفعل ، فالإتقان ، والإحكام ، عائد إلى كيفيّة الفعل.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) (٩٣)
(٢) لما ذكر القتل الخطأ ، ذكر بعده بيان حكم قتل العمد ، وله أحكام مثل وجوب القصاص والدّية ، وقد ذكر في سورة البقرة عند قوله ـ [تعالى](٣) ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) [الآية : ١٧٨] لا جرم اقتصر ههنا على بيان الإثم والوعيد.
وقوله : «متعمدا» : حال من فاعل «يقتل» ، وروي عن الكسائيّ سكون التّاء ؛ كأنه فرّ من توالي الحركات ، و «خالدا» نصب على الحال من محذوف ، وفيه تقديران :
أحدهما : «يجزاها خالدا فيها» ، فإن شئت جعلته حالا من الضّمير المنصوب أو المرفوع.
والثاني : «جازاه» ؛ بدليل (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ) فعطف الماضي عليه ، فعلى هذا هي حال من الضّمير المنصوب لا غير ، ولا يجوز أن تكون حالا من الهاء في «جزاؤه» لوجهين :
أحدهما : أنه مضاف إليه ، [ومجيء الحال من المضاف إليه] ضعيف أو ممتنع.
والثاني : أنه يؤدّي إلى الفصل بين الحال وصاحبها بأجنبيّ ، وهو خبر المبتدأ الذي هو «جهنم».
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.