وأما الوجه الثاني : فهو في غاية الفساد ؛ لأن الوعيد قسم من أقسام (١) الخبر ، فإذا جوّزنا الخلف فيه على الله ، فقد جوّزنا الكذب على الله ـ تعالى ـ ، وهذا خطأ عظيم ، بل يقرب من الكفر ؛ لإجماع العقلاء على أنّه ـ تعالى ـ منزّه عن الكذب.
وحكى القفال (٢) في تفسيره وجها آخر في الجواب ، فقال : الآية تدلّ على أن جزاء القتل هو ما ذكر ، لكن ليس فيها أنّه ـ تعالى ـ يوصل هذا الجزاء إليه أم لا ، وقد يقول الرّجل لعبده : جزاؤك أن أفعل بك كذا وكذا ، إلا أنّي لا أفعل ، وهذا الجواب أيضا ضعيف ، لأنّه ثبت بهذه الآية أن جزاء القتل العمد هو ما ذكر (٣) ، وثبت بسائر (٤) الآيات أنه ـ تعالى ـ يوصل الجزاء إلى المستحقّين ؛ قال ـ تعالى ـ : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) [النساء : ١٢٣] ، وقال : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة : ٨].
قال ابن الخطيب (٥) : واعلم أنّا نقول [أن](٦) هذه الآية مخصوصة في موضعين :
أحدهما : أن يكون القتل [العمد](٧) غير عدوان ؛ كما في القصاص ، فإنه لا يحصل فيه هذا الوعيد ألبتّة.
والثاني : القتل العمد العدوان إذا تاب عنه لا يحصل فيه هذا الوعيد ، وإذا ثبت دخول التّخصيص فيه في هاتين (٨) الصّورتين (٩) فيدخله التّخصيص فيما إذا حصل العفو فيه ؛ بدليل قوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨].
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (٩٤)
لما نهى عن قتل المؤمن ، أمر المجاهدين بالتّثبّت في القتل ؛ لئلّا يسفكوا دما حراما بتأويل ضعيف ، والضّرب في الأرض معناه : السّير فيها بالسّفر للتّجارة والجهاد ، وأصله من الضّرب باليد ، وهو كناية عن الإسراع في السّير ، فإن (١٠) من ضرب إنسانا ، كانت حركة يده عند ذلك الضّرب سريعة.
قال الزّجّاج (١١) : معنى (ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) : إذا غزوتم وسرتم إلى الجهاد.
__________________
(١) في أ : مقام.
(٢) في أ : المقال.
(٣) في ب : ذكره.
(٤) في أ : لسائر.
(٥) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٩٠.
(٦) سقط في أ.
(٧) سقط في ب.
(٨) في ب : هذين.
(٩) في أ : الآيتين.
(١٠) في أ : قال.
(١١) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٣.