فصل : الاشتغال بالنوافل أفضل من النكاح
قال (١) الشّافعيّة : دلّت الآية على أن الاشتغال بالنّوافل ، أفضل من الاشتغال بالنكاح ؛ لأن من أقام بالجهاد ، سقط الفرض عن الباقين ، فلو أقيموا عليه كان من النّوافل ، والآية تقتضي تفضيل جميع المجاهدين (٢) من مفترض و [من](٣) متنفّل على القاعدين والمتنفل بالنّكاح قاعد عن الجهاد ، فثبت أن الاشتغال بالمندوب إليه من الجهاد أفضل من الاشتغال بالنّكاح.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (٩٧) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً)(٩٩)
لما ذكر ـ [تعالى](٥) ـ ثواب من أقدم على الجهاد ، أتبعه بعقاب من قعد عنه ورضي بالسّكون في دار الحرب.
قوله : «توفّاهم» يجوز أن يكون ماضيا ، وإنما لم تلحق علامة التّأنيث للفعل ؛ لأن التأنيث مجازيّ ؛ ويدلّ على كونه فعلا ماضيا قراءة «توفتهم» (٦) بتاء التأنيث.
قال الفرّاء : ويكون مثل قوله : (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) [البقرة : ٧٠] فيكون إخبارا عن حال أقوام معيّنين ، انقرضوا ومضوا (٧) ويجوز أن يكون مضارعا حذفت إحدى التّاءين تخفيفا منه ، والأصل : تتوفّاهم ، وعلى هذا تكون الآية عامّة في حقّ كلّ من كان بهذه الصّفة.
و «ظالمي» حال من ضمير «توفّاهم» ، والإضافة (٨) غير محضة (٩) ؛ إذ الأصل : ظالمين أنفسهم ؛ لأنه وإن أضيف إلى المعرفة ، إلا أنه نكرة في الحقيقة ؛ لأن المعنى على الانفصال ؛ كأنه قيل : الظّالمين أنفسهم ، إلا أنّهم لما حذفوا [النّون](١٠) طلبا للخفة ، واسم الفاعل سواء أريد به الحال أو الاستقبال ، فقد يكون مفصولا في المعنى وإن كان موصولا في اللّفظ ؛ فهو كقوله ـ تعالى ـ : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) [الأحقاف : ٢٤] ، و (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) [المائدة : ٩٥] ، (ثانِيَ عِطْفِهِ) [الحج : ٩] ، والتقدير : ممطر لنا ، وبالغا للكعبة وثانيا عطفه ، والإضافة في هذه المواضع لفظيّة لا معنويّة.
__________________
(١) في ب : قالت.
(٢) في أ : الجهاد.
(٣) سقط في ب.
(٥) سقط في أ.
(٦) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٤٨ ، والدر المصون ٢ / ٤١٨.
(٧) في ب : وبادوا.
(٨) في ب : تتوفاهم والآية.
(٩) في أ : مختصة.
(١٠) سقط في ب.