القول بكيت وكيت إيمانا ، كقوله : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨].
الثاني : أنه يعود على المقول ـ الذي هو (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) كأنه قيل : قالوا لهم هذا الكلام فزادهم إيمانا.
الثالث : أنه يعود على «الناس» إذا أريد به فرد واحد ـ كما نقل في سبب النزول ـ وهو نعيم بن مسعود الأشجعيّ.
واستضعف أبو حيّان الوجهين الأخيرين ، قال : «وهما ضعيفان ؛ من حيث إنّ الأول لا يزيد إيمانا إلا النطق به ، لا هو في نفسه ، ومن حيث إنّ الثاني إذا أطلق على المفرد لفظ الجمع مجازا فإن الضمائر تجري على ذلك الجمع ، لا على المفرد. تقول : مفارقة شابت ـ باعتبار الإخبار عن الجمع ـ ولا يجوز : مفارقة شاب ـ باعتبار : مفرقه شاب».
قال شهاب الدّين (١) : «وفيما قاله نظر ؛ لأن المقول هو الذي في الحقيقة حصل به زيادة الإيمان ـ وأما قوله : تجري على الجمع ، لا على المفرد ، فغير مسلّم ، ويعضده أنهم نصّوا على أنه يجوز اعتبار لفظ الجمع الواقع موقع المثنّى تارة ، ومعناه تارة أخرى ، فأجازوا : رؤوس الكبشين قطعتهن ، وقطعتهما ، وإذا ثبت ذلك في الجمع الواقع موقع المثنى ، فليجز في الواقع موقع المفرد. ولقائل أن يفرق بينهما ، وهو أنه إنما جاز أن يراعى معنى التثنية ـ المعبّر عنها بلفظ الجمع ـ لقربها منه ؛ من حيث إنّ كلا منهما فيه ضم شيء إلى مثله ، بخلاف المفرد ، فإنه بعيد من الجمع ؛ لعدم الضمّ ، فلا يلزم من مراعاة معنى التثنية في ذلك مراعاة معنى المفرد.
فصل
قال أبو العبّاس المقرىء : لفظ «الوكيل» في القرآن على وجهين :
الأول : بمعنى المانع ـ كهذه الآية ـ ومثله قوله : (فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) [النساء : ١٠٩] أي : مانعا.
الثاني : بمعنى : الشاهد ، قال تعالى : (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) [النساء : ٨١ ، ١٣٢ ، ١٧١] أي : شهيدا ، ومثله قوله : (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [هود : ١٢] أي : شاهد ، ومثله : (فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) أي : شهيد.
قوله : (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ) [آل عمران : ١٧٣] عطف «قالوا» على «فزادهم» والجملة بعد القول في محل نصب به.
قوله : (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) المخصوص بالمدح ، أي : الله تعالى.
قوله : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ) في متعلق باء «بنعمة» وجهان :
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٢ / ٢٦١.