يهاجروا منهم : قيس بن الفاكه (١) بن المغيرة ، وقيس بن الوليد وأشباههما ، فلما خرج المشركون إلى بدر ، خرجوا معهم ، فقاتلوا (٢) مع الكفّار وعلى هذا أراد بظلمهم أنفسهم : إقامتهم في دار الكفر (٣) ، وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) أي : ملك الموت وأعوانه ، أو أراد ملك الموت وحده ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) [السجدة : ١١] والعرب قد تخاطب الواحد بلفظ الجمع.
الثاني : أنها نزلت في قوم من المنافقين ، كانوا يظهرون الإيمان للمؤمنين خوفا ، فإذا رجعوا إلى قومهم ، أظهروا لهم الكفر ، ولا يهاجرون إلى المدينة (٤).
وقوله : (قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) من أمر دينكم ، وقيل : فيم كنتم من حرب أعدائه ، وقيل : لما تركتم (٥) الجهاد ورضيتم بالسّكون في دار الكفّار (٦) ؛ لأن الله ـ تعالى ـ لم يكن يقبل الإسلام بعد هجرة النّبي (٧) صلىاللهعليهوسلم إلا بالهجرة ، ثم نسخ ذلك بعد فتح مكّة بقوله «لا هجرة بعد الفتح» وهؤلاء قتلوا يوم بدر ، وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم ، وقالوا لهم : فيم كنتم؟ [(قالُوا كُنَّا)](٨) أي : في ماذا كنتم أو في أيّ الفريقين كنتم؟ أفي المسلمين أو في المشركين؟ سؤال توبيخ وتقريع ، فاعتذروا بالضّعف عن مقاومة المشركين ، (قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ) عاجزين (٩) ، (فِي الْأَرْضِ) يعني : أرض مكّة.
فإن (١٠) قيل : كان حقّ الجواب أن يقولوا : كنا في كذا وكذا ، ولم نكن في شيء.
فالجواب : أن معنى (فِيمَ كُنْتُمْ) : التّوبيخ ، بأنهم لم يكونوا في شيء من الدّين ، حيث قدروا على المهاجرة ولم يهاجروا فقالوا : كنّا مستضعفين اعتذارا عمّا وبّخوا به ، واعتلالا بأنّهم ما كانوا قادرين على المهاجرة ، ثم إنّ الملائكة لم يقبلوا منهم هذا العذر ، بل ردّوه عليهم ، فقالوا : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) يعني أنكم كنتم قادرين على الخروج من مكّة إلى بعض البلاد التي لا تمنعون فيها من إظهار دينكم ، فبقيتم (١١) بين الكفّار لا للعجز عن مفارقتهم ، بل مع القدرة على المفارقة (١٢).
فصل
وقد ورد لفظ الأرض على ثمانية أوجه :
__________________
(١) في أ : الفاكهة.
(٢) في ب : فقتلوا.
(٣) أخرجه الطبري (٩ / ١٠٥) عن عكرمة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٦٥) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(٤) تقدم.
(٥) في أ : تركوا.
(٦) في أ : الحرب.
(٧) في أ : الهجرة للنبي.
(٨) سقط في ب.
(٩) في أ : مهاجرين.
(١٠) في أ : قال.
(١١) في أ : ما قمتم.
(١٢) في أ : الفائقة.