والثاني ـ وهو الصّحيح ـ : أنه منقطع ؛ لأن الضّمير في «مأواهم» عائد على قوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ) ، وهؤلاء المتوفّون : إمّا كفّار أو عصاة بالتّخلّف ، على ما قال المفسّرون ، [وهم] قادرون على الهجرة ، فلم يندرج فيهم المستضعفون فكان منقطعا ، و (مِنَ الرِّجالِ) حال من المستضعفين ، أو من الضّمير المستتر فيهم ، فيتعلّق بمحذوف.
قوله : (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) في هذه الجملة أربعة أوجه :
أحدها : أنّها مستأنفة جواب لسؤال مقدّر ، كأنه قيل : ما وجه استضعافهم؟ فقيل : كذا.
والثاني : أنها حال.
قال أبو البقاء (١) : «حال مبيّنة عن معنى الاستضعاف» ، قال شهاب الدين : كأنّه يشير إلى المعنى المتقدّم في كونها جوابا لسؤال مقدّر.
الثالث : أنها مفسّرة لنفس المستضعفين ؛ لأنّ وجوه الاستضعاف كثيرة ، فبيّن بأحد محتملاته ؛ كأنه قيل : إلا الذين استضعفوا بسبب عجزهم عن كذا وكذا.
الرابع : أنها صفة للمستضعفين أو للرّجال ومن بعدهم ، ذكره الزمخشري ، وعبارة البيضاوي أنه صفة للمستضعفين ؛ إذ لا ترقية فيه ، أي : لا تعيّن فيه ، فكأنه نكرة ، فصحّ وصفه بالجملة. انتهى ما ذكرنا. واعتذر عن وصف ما عرّف بالألف واللام بالجمل التي في حكم النّكرات ، بأن المعرّف بهما لمّا لم يكن معيّنا ، جاز ذلك فيه ، كقوله : [الكامل]
١٨٦٧ ـ ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني |
|
............(٢) |
وقد قدّمت تقرير المسألة.
فصل في معنى الآية
المعنى : لا يقدرون على حيلة ولا نفقة ، إذا (٣) كان بهم مرض ، أو كانوا تحت قهر قاهر يمنعهم من المهاجرة.
وقوله : [و] (٤) لا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) أي : لا يعرفون طريق الحقّ ، ولا يجدون من يدلهم على الطّريق.
قال مجاهد والسّدّي وغيرهما : المراد بالسّبيل [هنا :](٥) سبيل المدينة (٦).
قال القرطبيّ (٧) : والصّحيح أنّه عامّ في جميع السّبل.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٢.
(٢) تقدم برقم ٧٥٧.
(٣) في ب : أو.
(٤) سقط في ب.
(٥) سقط في ب.
(٦) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٤٧٠ ، والقرطبي ٥ / ٢٢٤.
(٧) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ٢٢٣.