الثالث : أن «من» في قوله : (مِنَ الصَّلاةِ) للتّبعيض ، وذلك يوجب جواز الاقتصار على بعض الصّلاة.
الرابع : أن لفظ القصر كان في عرفهم مخصوصا بتنقيص عدد الرّكعات ، ولهذا لمّا صلّى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم الظّهر ركعتين ، قال ذو اليدين : «أقصرت الصلاة أم نسيت؟».
الخامس : القصر بمعنى : تغير هيئة [الصّلاة](١) المذكورة في الآية الّتي بعدها توجب أن يكون المراد من هذه الآية بيان القصر ، بمعنى : حذف بعض الرّكعات ، لئلا يلزم التّكرار.
فصل هل الأفضل الإتمام أو القصر؟
قصر الصّلاة في السّفر (٢) جائز بالإجماع ، واختلفوا في جواز الإتمام.
فذهب أكثرهم إلى أن القصر واجب ، وهو قول عمر وعليّ ، وابن عمر ، وجابر ، وابن عبّاس ، وبه قال الحسن وعمر بن عبد العزيز ، وقتادة ، وهو قول مالك وأصحاب الرأي لما روت (٣) عائشة ـ رضي الله عنها ـ ، قالت : «الصّلاة أوّل ما فرضت [ركعتين في الحضر والسّفر فأقرّت](٤) صلاة السّفر ، وأتمّت صلاة الحضر».
وذهب قوم إلى جواز الإتمام ، روي ذلك عن عثمان [وسعد](٥) بن أبي وقّاص ، وبه قال الشّافعيّ إن شاء أتمّ ، وإن شاء قصر ، والقصر أفضل.
فصل
قال أهل الظّاهر : قليل السّفر وكثيره (٦) سواء ؛ لظاهر الآية ، فإن الآية مرتّبة من شرط وجزاء ، فإذا وجد الشّرط وهو الضّرب في الأرض ، ترتّب (٧) عليه [الجزاء](٨) سواء كان طويلا أو قصيرا ، وذلك مرويّ عن أنس ، وقال عمرو بن دينار : قال لي جابر بن زيد : أقصر بعرفة.
فإن قيل : هذا يقتضي حصول الرّخصة عند انتقال الإنسان من محلّة إلى محلّة. فالجواب : لا نسلّم أنّ هذا ضرب في الأرض ، وإن سلّم ، فنقول : الإجماع منعقد على أنّه غير معتبر ، فهذا تخصيص بالإجماع ، والعامّ بعد التّخصيص حجّة.
وقال الجمهور : إن السّفر ما لم يتقدّر بمقدار مخصوص ، لم تحصل فيه الرّخصة ، وقالوا : أجمع السّلف على أنّ أقل السّفر مقدّر ؛ لأنه روي عن عمر أنّه يقصر
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : السفر في الصلاة.
(٣) في أ : كما أوت.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في أ.
(٦) في أ : كثير القر وقليله.
(٧) في أ : نزلت.
(٨) سقط في أ.