السّلاح ما لا يشغلهم عن الصّلاة ؛ كالسّيف والخنجر ؛ لأن ذلك أقرب إلى الاحتياط ، وأمنع للعدوّ (١) من الإقدام عليهم ، وإن كان لغير المصلّين ، وهم الطّائفة الأخرى التي تحرس المصلّين ، فلا كلام.
واختار الزّجّاج (٢) عوده على الجميع ، قال : «لأنه أهيب للعدوّ». والسّلاح : ما يقاتل به ، وجمعه أسلحة وهو مذكّر ، وقد يؤنّث باعتبار الشّوكة ، قال الطّرمّاح : [الطويل]
١٨٧٦ ـ يهزّ سلاحا لم يرثها كلالة |
|
يشكّ بها منها غموض المغابن (٣) |
فأعاد الضّمير عليه كضمير المؤنّثة ، ويقال : سلاح كحمار ، وسلح كضلع ، وسلح كصرد ، وسلحان كسلطان ؛ نقله أبو بكر بن دريد. والسّليح : نبت إذا رعته الإبل ، سمنت وغزر لبنها ، وما يلقيه البعير من جوفه ، يقال له : «سلاح» بزنة غلام ، ثم عبّر به عن كلّ عذرة ، حتى قيل في الحبارى : «سلاحه [سلاحه]»
ثم قال ـ تعالى ـ : (فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) يعني : غير المصلّين من ورائكم يحرسونكم يريد : مكان الّذين هم تجاه العدو ، ثم قال ـ [تعالى](٤) ـ : (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) وهم الّذين كانوا في تجاه العدوّ ، وقرأ أبو حيوة (٥) : «وليأت» بناء على تذكير الطّائفة ، وروي عن أبي عمرو : الإظهار والإدغام في (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ).
قوله : (لَمْ يُصَلُّوا) الجملة في محلّ رفع ؛ لأنها [صفة ل «طائفة» بعد صفة ، ويجوز أن يكون في محلّ نصب على الحال ؛ لأن النّكرة](٦) قبلها تخصّصت بالوصف بأخرى. ثم قال (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) والمعنى : أنه ـ تعالى ـ جعل الحذر : الّذي هو التحذّر والتّيقّظ آلة يستعملها الغازي ؛ فلذلك جمع بينه وبين الأسلحة في الأخذ ؛ وجعلا مأخوذين ، وهذا مجاز ؛ كقوله : (تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) [الحشر : ٩] في أحد الأوجه.
قال الواحدي (٧) رحمهالله تعالى : وفيه رخصة للخائف في الصّلاة ، بأن يجعل بعض فكره في غير الصّلاة.
فإن قيل : لم ذكر في الآية الأولى : «أسلحتهم» فقط ، وفي هذه الآية ذكر (حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ)؟
__________________
(١) في ب : العدو.
(٢) ينظر : معاني القرآن ٢ / ١٠٥.
(٣) ينظر البيت في البحر المحيط ٣ / ٣٥٢ واللسان (سلح) والدر المصون ٢ / ٤٢٢.
(٤) سقط في أ.
(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٠٧ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٥٤ ، والدر المصون ٢ / ٤٢٣.
(٦) سقط في أ.
(٧) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٢١.