فالجواب : أن في أوّل الصلاة قلّما ينتبه العدوّ : لكون المسلمين في الصّلاة ، بل يظنّون كونهم قائمين لأجل المحاربة ، وأما في الرّكعة الثّانية ، فقد يظهر للعدوّ كونهم في الصّلاة ، فههنا ينتهزون الفرصة في الهجوم عليهم ، فلذلك خصّ الله [ـ تعالى ـ](١) هذا الموضع بزيادة تحذير.
ثم قال : (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ) قد تقدم الكلام في [«لو»](٢) الواقعة بعد «ودّ» في البقرة [آية : ١٠٩].
وقرىء (٣) : «وأمتعاتكم» وهو في الشّذوذ من حيث إنّه جمع الجمع ، كقولهم : أسقيات وأعطيات. (فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً) أي : بالقتال ، أي : يتمنّون لو وجدوكم غافلين عن أسلحتكم ، فيقصدونكم ويحملون عليكم حملة واحدة.
روي عن ابن عبّاس ، وجابر : أن النّبي صلىاللهعليهوسلم صلّى بأصحابه الظّهر ، ورأى المشركون ذلك ، فقالوا بعد ذلك : بئس ما صنعنا ، حيث ما أقدمنا عليهم ، وعزموا على ذلك عند الصّلاة الأخرى ، فأطلع الله نبيّه صلىاللهعليهوسلم على أسرارهم بهذه الآية (٤).
فصل
قال الإمام أحمد ـ رحمهالله تعالى ـ : صحّ عن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم صلاة الخوف من خمسة أوجه أو ستّة [أوجه](٥) ، كل ذلك جائز.
الأول : إذا كان العدوّ من جهة القبلة ، صف الإمام (٦) المسلمين خلفه (٧) صفّين ، فصلّى بهم جميعا إلى أن يسجد ؛ فيسجد معه الصّفّ الذي يليه ، ويحرس الآخر ، فإذا قام الإمام إلى الثّانية سجد الآخر ولحقه ، فإذا سجد للثّانية ، سجد معه الصّفّ الذي حرس ، وحرس الأوّل ، فإذا جلس للتّشهّد ، سجد الأوّل ، ولحقه في التّشهّد ويسلم بهم.
الثاني : إذا كان العدوّ في غير جهة القبلة جعل طائفة [تجاه العدوّ ، وطائفة](٨) تصلّي معه ركعة ، فإذا قام إلى الثّانية ثبت قائما وأتمّت لأنفسها أخرى ، [وسلمت ومضت إلى العدوّ ، وجاءت الأخرى ، فصلّت معه الثّانية ، فإذا جلس ، أنهت لأنفسها أخرى](٩)
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٥٥ ، والدر المصون ٢ / ٤٢٣.
(٤) أخرجه الحاكم (٣ / ٣٠) والطبري في «تفسيره» (٩ / ١٥٦) من حديث ابن عباس.
وقال الحاكم : صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي والأثر ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٧٨) وزاد نسبته للبزار.
(٥) سقط في ب.
(٦) في ب : عند إمام.
(٧) في ب : جعلهم.
(٨) سقط في ب.
(٩) سقط في ب.