أحدهما : قصر صلاة المسافر.
والثّاني : صلاة الخوف ؛ فقوله : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) [يحتمل أنكم إذا صرتم مقيمين غير مسافرين من الاطمئنان فأقيموا الصّلاة](١) أي : أتمّوها أربعا ، ويحتمل أن يكون المراد من الاطمئنان ألّا يبقى الإنسان مضطرب القلب ، بل يصير ساكن القلب ؛ بسبب زوال الخوف ، فعلى هذا فالمراد بإقامة الصّلاة : فعلها في حالة الأمن.
ثم قال (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) أي : فرضا موقوتا ، قال مجاهد : وقّته الله عليهم ، وقيل : واجبا مفروضا مقدرا (٢) في الحضر أربع ركعات ، وفي السّفر ركعتين ، والمراد بالكتاب ههنا : المكتوب ؛ كأنه قيل : مكتوبة مؤقتة (٣) و «موقوتا» : صفة ل «كتابا» بمعنى : محدودا بأوقات ، فهو من : وقت مخفّفا ؛ كمضروب من ضرب ، ولم يقل : «موقوتة» بالتّاء مراعاة ل «كتاب» فإنّه في الأصل مصدر ، والمصدر مذكّر ، ومعنى الموقوت : أنّها كتبت عليهم في أوقات مؤقتة ، يقال : وقّته ووقته مخففا ، وقرىء (٤) : (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) [المرسلات : ١١] بالتّخفيف.
فصل
دلّت هذه الآية على أنّ وجوب الصّلوات مقدّر بأوقات مخصوصة ، إلّا أنّه ـ تعالى ـ أجمل الأوقات ههنا وبيّنها (٥) في مواضع أخر ، وهي خمسة.
أحدها : قوله [ـ تعالى ـ](٦)(حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) [البقرة : ٢٣٨] فقوله : «الصّلوات» يدل على ثلاث صلوات ، وقوله : (وَ (٧) الصَّلاةِ الْوُسْطى) يمنع أن يكون أحد تلك الثّلاث ، وإلا يلزم التّكرار ، فلا بدّ وأن تكون زائدة على الثّلاث ولا يمكن أن يكون الواجب أربعة ؛ لعدم حصول الوسطى فيها ، فلا بدّ من جعلها خمسة ؛ لتحصل الوسطى ، وكما دلّت هذه الآية على وجوب خمس صلوات ، دلت على عدم وجوب الوتر ، وإلا لصارت الصّلوات الواجبة ستّة ، وحينئذ لا تحصل الوسطى ، فهذه الآية دلّت على وجوب الصّلوات ، لا على بيان الأوقات ، وأما الآيات الأربع الباقية ، فمذكورة [في البقرة](٨) عند قوله : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ).
قوله تعالى : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً)(١٠٤)
لما ذكر بعض الأحكام الّتي يحتاج المجاهد إلى معرفتها ، عاد مرّة أخرى إلى
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : مقدارها.
(٣) في ب : مكتوب مؤقت.
(٤) ستأتي في المرسلات (١١).
(٥) في أ : وسماها.
(٦) سقط في أ.
(٧) سقط في ب.
(٨) سقط في ب.