سبيلها أن يكون الذي بعدها موافقا للذي قبلها ، تقول : رازقنا الله ونعم الرازق ، وخالقنا الله ونعم الخالق ، وهذا أحسن من قول من يقول : خالقنا الله ونعم الرازق ، فكذا ههنا تقدير الآية : يكفينا الله ونعم الكافي.
الثالث : «الوكيل» فعيل بمعنى مفعول ، وهو الموكول إليه. والكافي والكفيل يجوز أن يسمّى وكيلا ؛ لأن الكافي يكون الأمر موكولا إليه ، وكذا الكفيل يكون الأمر موكولا إليه.
ثم قال : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) قال مجاهد : النعمة ـ هنا ـ العافية ، والفضل : التجارة (١).
وقيل : النعمة : منافع الدنيا ، والفضل : ثواب الآخرة (٢).
قوله : (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) أي : لم يصبهم قتل ولا جراح (٣) ـ في قول الجميع ـ (وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ) طاعة الله ، وطاعة رسوله ، (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) قد تفضل عليهم بالتوفيق فيما فعلوا.
روي أنهم قالوا : هل يكون هذا غزوا؟ فأعطاهم الله ثواب الغزو.
واختلف أهل المغازي ، فذهب الواقديّ إلى تخصيص الآية الأولى ب «حمراء الأسد» والثانية ب «بدر الصغرى».
ومنهم من جعل الآيتين في واقعة بدر الصّغرى ، والأول أولى ؛ لأن قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ) يدل على قرب عهدهم بالقرح.
قوله تعالى : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥) وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)(١٧٦)
«إنما» حرف مكفوف ب «ما» عن العمل وقد تقدم الكلام فيها أول الكتاب. وفي إعراب هذه الجملة خمسة أوجه :
الأول : أن يكون «ذلكم» مبتدأ ، و «الشيطان» خبره ، و (يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) حال ؛ بدليل وقوع الحال الصريحة في مثل هذا التركيب ، نحو قوله : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود : ٧٢] وقوله : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً) [النمل : ٥٢].
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٤١٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٨٢) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٢) ذكره أبو حيان في «البحر المحيط» (٣ / ١٢٤).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٤١٥) عن السدي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٨٢) وعزاه للطبري فقط.