فصل في اختلافهم في البخل في الآيات
اختلفوا في هذا البخل ، فقال أكثر العلماء : المراد به منع الواجب ، واستدلّوا بوجوه :
أحدها : أن الآية دالة على الوعيد الشديد في البخل ، وذلك الوعيد لا يليق إلا بالواجب.
ثانيها : أن الله ـ تعالى ـ ذمّ البخل وعابه ، ومنع التطوّع لا يجوز أن يذمّ فاعله وأن يعاب به.
ثالثها : أنه لو كان تارك التفضّل بخيلا لوجب على من ملك المال العظيم أن يخرج الكلّ ، وإلا لم يتخلّص من الذم.
رابعها : أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «وأيّ داء أدوأ من البخل» (١) ومعلوم أن تارك التطوّع لا يليق به هذا الوصف.
خامسها : أنه ـ تعالى ـ لا ينفك عن ترك التفضّل ؛ لأنه لا نهاية لمقدوراته في التفضّل ، وكل ما يدخل في الوجود ، فهو متناه ، فيكون لا محالة ـ تاركا للتفضّل فلو كان ترك التفضّل بخلا لزم أن يكون الله موصوفا بالبخل ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
فصل
اعلم أنّ إنفاق الواجب أقسام :
منها : إنفاقه على نفسه ، وعلى أقاربه الذين تلزمه نفقتهم.
ومنها : الزكوات ، ومنها : ما إذا احتاج المسلمون إلى دفع عدوّ يقصد قتلهم ومالهم ، فيجب عليهم إنفاق المال على من يدفع عنهم.
ومنها : دفع ما يسد رمق المضطر ، فهذه الإنفاقات واجبة.
قوله : (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) اختلفوا في هذا الوعيد ، فقال ابن مسعود وابن عباس : إنّ هذه الأموال تصير حيّات يطوقون بها ـ كما تقدم ـ وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من آتاه الله مالا ، فلم يؤدّ زكاته مثّل له يوم القيامة شجاعا أقرع ، له زبيبتان ، يطوّقه يوم القيامة ثمّ يأخذ بلهزمتيه ـ يعني : شدقيه ـ ثمّ يقول : أنا مالك ، أنا كنزك» ثم تلا قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ).
__________________
(١) أخرجه الخطيب في «تاريخه» (٤ / ٢١٧) والخرائطي في «مكارم الأخلاق» (٥٩) والطبراني في «الصغير» كما في «تخريج الإحياء» (٣ / ٢٤٩) وأبو نعيم كما في «كنز العمال» (٣٦٨٥٨).
والحديث أورده الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (١ / ٢٤٧) وقال : الحديث إسناده ضعيف.
وأخرجه البخاري (٦ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦) كتاب الخمس : باب (١٥) رقم (٣١٣٧) عن أبي بكر موقوفا.