(وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [ق : ٢٩] فنبّه على أنه لا يظلم من تخصص بعبادته ، ومن انتسب إلى غيره من الذين يسمّون بعبد الشمس وعبد اللات ونحو ذلك».
وكأن الراغب قد قدّم الفرق بين «عبيد» و «عباد» فقال : وجمع العبد ـ الذي هو مسترق ـ عبيد وقيل : عبدّى وجمع العبد ـ الذي هو العابد ـ عباد ، وقد تقدم اشتقاق هذه اللّفظة وجموعها وبقية الوجوه مذكورة في سورة «ق».
فصل
قالت المعتزلة : هذه الآية تدل على أنّ أفعال العباد مخلوقة لهم ، وإلا لم تكن مما قدمت أيديهم ، وأجيبوا بمسألة العلم والداعي على ما تقدم.
قوله تعالى : (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(١٨٣)
يجوز في محل «الذين» الألقاب الثلاثة ، فالجرّ من ثلاثة أوجه :
الأول : أنه صفة للفريق المخصوصين بإضافة «قول» إليه ـ في قوله : (قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا).
الثاني : أنه بدل منه.
الثالث : أنه صفة ل «العبيد» أي : ليس بظلّام للعبيد الذين قالوا كيت وكيت ، قاله الزّجّاج قال ابن عطيّة : «وهذا مفسد (١) للمعنى والوصف».
والرفع على القطع ـ بإضمار مبتدأ ـ أي : هم الذين ، وكذلك النصب على القطع ـ أيضا ـ بإضمار فعل لائق ، أي : أذم الذين.
قوله : «أن لا نؤمن» في «أن» وجهان :
أحدهما : أنها على حذف حرف الجرّ ، والأصل : في أن لا نؤمن ، وحينئذ يجيء فيها المذهبان المشهوران أهي في محلّ جرّ ، أو نصب.
الثاني : أنها مفعول بها ، على تضمين «عهد» معنى ألزم ، تقول : عهدت إليه كذا ـ أي : ألزمته إياه ـ فهي ـ على هذا ـ في محل نصب فقط.
و «أن» تكتب متصلة ، ومنفصلة ، اعتبارا بالأصل ، أو بالإدغام. ونقل أبو البقاء أن منهم من يحذفها في الخط ، اكتفاء بالتشديد ، وحكى مكي ـ عن المبرد ـ أنّها إن أدغمت بغير غنة كتبت متصلة ، إلا فمنفصلة. ونقل عن بعضهم أنها إن كانت مخففة كتبت منفصلة ، وإن كانت ناصبة كتبت متصلة.
__________________
(١) في ب : تفسير.