ومنه قوله : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) [الاحقاف : ٣٤] وقولك : أدخلت القلنسوة في رأسي.
وقول الشّاعر : [البسيط]
١٧٠٥ ـ مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت |
|
نجران ، أو بلغت سوآتهم هجر (١) |
الأصل : عرضت الحوض على الناقة ، ويوم تعرض النار على الذين كفروا ، وأدخلت رأسي في القلنسوة ، وبلغت سوآتهم هجر ، فقلبت. وسيأتي خلاف النّاس في القلب في موضعه إن شاء الله ـ تعالى ـ.
وكان أبو البقاء قد قدّم قبل هذا أن التأنيث في «ذائقة» إنما هو باعتبار معنى «كلّ» قال : «لأن كل نفس نفوس ، فلو ذكر على لفظ «كل» جاز ، يعني أنه لو قيل : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ) جاز ، وقد تقدّم أول البقرة أنه يجب [اعتبار] لفظ ما يضاف إليه إذا كان نكرة ولا يجوز أن يعتبر «كل» وتحقيق هذه المسألة هناك.
فصل
قال ابن الخطيب : هذه الآية من تمام التسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إما بأن غموم الدنيا يقطعها الموت ، وما كان كذلك لا ينبغي للعاقل أن يلتفت إليه. وإما لأن بعد هذه الدار دارا يتميز فيها المحسن من المسيء ، فلا يلتفت إلى غمّ الدنيا وبؤسها.
فإن قيل : قوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) [المائدة : ١١٦] يقتضي الاندراج ، وأيضا فالنفس والذات واحد ، فتدخل الجمادات لأنهم ذوات ، ويقتضي موت أهل الجنّة ؛ لأنهم نفوس.
فالجواب : أنّ المراد : المكلّفون في دار التكليف ، لقوله ، عقيبها : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) وذلك لا يتأتّى إلا فيهم.
فصل
قالت الفلاسفة : الموت واجب للأجسام ؛ لأن الحياة الجسمانية إنما تحصل بالرطوبة والحرارة الغريزيتين ، ثم إن الحرارة تستمد من الرطوبة إلى أن تفنى ، فيحصل الموت قالوا : والآية تدل على أن النفوس لا تموت ؛ لأنه جعلها ذائقة ، والذائق لا بد أن يبقى حال الذوق والمعنى : ذائقة موت البدن ، ويدل ذلك ـ أيضا ـ على أنّ النفس غير البدن.
قوله : (وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ) «ما» كافة ل «إن» عن العمل ، قال مكيّ : «ولا يحسن أن تكون «ما» بمعنى الذي ، لأنه يلزم رفع «أجوركم» ولم يقرأ به أحد ، ولأنه يصير التقدير :
__________________
(١) تقدم.