وإن الذي توفّونه أجوركم ، كقولك : إنّ الذي أكرمته عمرو ، وأيضا فإنك تفرق بين الصلة والموصول بخبر الابتداء».
يعني لو كانت «ما» موصولة لكانت اسم «إن» فيلزم ـ حينئذ ـ رفع «أجوركم» على أنه خبرها ، كقوله تعالى : (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ) [طه : ٦٩] ف «ما» ـ هنا ـ يجوز أن تكون بمعنى الذي ، أو مصدرية ، تقديره : إنّ الذي صنعوه ، أو إن صنعهم ، ولذلك رفع «كيد» ، خبرها. وقوله : وأيضا فإنك تفرق ... ، يعني أن (يَوْمَ الْقِيامَةِ) متعلق ب «توفّون» فهو من تمام الصلة فلو كانت «ما» موصولة لفصلت بالخبر ـ الذي هو «أجوركم» ـ بين أبعاض الصلة ـ التي هي الفعل ومعموله ـ ولا يخبر عن موصول إلا بعد تمام صلته ، وهذا وإن كان من الواضحات ، إلا أن فيه تنبيها على أصول العلم.
فصل
قال المفسّرون : أجر المؤمن الثواب ، وأجر الكافر العقاب ، ولم يعتد بالنعمة في الدنيا ـ أجرا وجزاء ـ لأنها عرضة للفناء.
قوله : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ) أدغم أبو عمرو الحاء في العين ، قالوا : لطول الكلمة ، وتكرير الحاء ، دون قوله : (ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) [المائدة : ٣] وقوله : (الْمَسِيحُ عِيسَى) [آل عمران : ٤٥] ونقل عنه الإدغام مطلقا ، وعدمه مطلقا والنحويون يمنعون ذلك ، ولا يجيزونه إلا بعد أن يقلبوا العين حاء ويدغموا الحاء فيها ، قالوا : لأن الأقوى لا يدغم في الأضعف ، وهذا عكس الإدغام ، أن تقلب فيه الأول للثاني إلا في مسألتين : إحداهما : هذه ، والثانية : الحاء في الهاء ، نحو : امدح حلالا ـ بقلب الهاء حاء أيضا ـ ولذلك طعن بعضهم على قراءة أبي عمرو ، ولا يلتفت إليه ... ومعنى الكلام : (فَمَنْ زُحْزِحَ) أي : نحّي وأزيل عن النار وأدخل الجنة فقد فاز.
قوله : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ). المتاع : ما يتمتّع به ، وينتفع [به الناس ـ كالقدر](١) والقصعة ـ ثم يزول ولا يبقى قاله أكثر المفسّرين.
وقال الحسن : هو كخضرة النبات ، ولعب البنات ، ولا حاصل له (٢).
وقال قتادة : هي متاع متروك ، يوشك أن يضمحلّ (٣) ، فينبغي للإنسان أن يأخذ من هذا المتاع بطاعة الله ـ تعالى ـ ما استطاع.
وقوله : «الغرور» يجوز أن يكون مصدرا من قولك : غررت فلانا غرورا ، شبه بالمتاع الذي يدلس به على المستام ، ويغر عليه حتى يشتريه ، ثم يظهر فساده له ، ومنه
__________________
(١) في أ : كالفأس والقدر.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٣ / ١٣٦ ، والدر المصون ٢ / ٢٧٦.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٨٩) وعزاه لابن أبي حاتم عن قتادة.