استفهاميّة في محلّ رفع بالابتداء ، و «يجادل» : خبره ، وقوله : (أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) أم : منقطعة وليست بعاطفة ، وظاهر عبارة مكّي (١) : أنها عاطفة ، فإنّه قال : و «أمّن يكون» مثلها [عطف عليها ، أي : مثل «من» في قوله : «فمن يجادل» وهو في محلّ نظر ؛ لأن في المنقطعة خلافا ، هل تسمّى عاطفة أم لا](٢) ، والوكيل الكفيل الذي وكّل إليه الأمر في الحفظ والحماية و «على» هنا بمعنى اللام والمعنى : أمّن يكون لهم وكيلا ، أي من النبي يذب عنهم ، ويتولّى أمرهم ، ويحميهم من عذاب الله يوم القيامة.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً)(١١٠)
لما ذكر الوعيد أتبعه بالدعوة إلى التوبة فقال : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً) يعني : السّرقة ، (أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) برميه البريء ، وقيل : السّوء : الشّرك ، وظلم النّفس : ما دون الشّرك ، وقيل : المراد بالسّوء : ما يتعدّى إلى الغير ، وظلم النّفس : ما يختصّ به الإنسان ؛ كالحلف الكاذب ، وإنما خصّ ما يتعدى إلى الغير باسم (٣) السّوء ؛ لأنّ ذلك يكون في الأكثر إيصالا (٤) للضّرر إلى الغير ، والضّرر سوء حاضر.
فأمّا الذّنب الذي يخصّ الإنسان ، فذلك لا يكون في الأكثر ضررا حاضرا.
وقوله : (ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ) أي : يتب إلى الله (٥) ويستغفره (يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) وهذه الآية دلّت على أنّ التّوبة مقبولة عن جميع الذّنوب سواء كانت كفرا ، أو قتلا عمدا ، أو غصبا (٦) للأموال ؛ لأن السّوء [و](٧) ظلم النّفس يعمّ الكلّ ، وظاهر الآية يقتضي أنّ (٨) مجرد الاستغفار كاف.
وقال بعضهم (٩) : إنّه مقيّد بالتّوبة ؛ لأنّه لا ينفع الاستغفار مع الإصرار.
وقوله : (غَفُوراً رَحِيماً) معناه : غفورا رحيما له ، وحذف هذا القيد ؛ لدلالة الكلام عليه.
قال الضّحّاك : نزلت هذه الآية في وحشي قاتل حمزة ، أشرك بالله ، وقتل حمزة ، ثم جاء إلى الرّسول صلىاللهعليهوسلم ، فقال : إني لنادم ، فهل لي من توبة؟. فنزلت هذه الآية (١٠).
وروى سفيان عن ابن مسعود ، قال : من قرأ هاتين الآيتين (١١) من سورة النّساء ، ثم
__________________
(١) ينظر : المشكل ١ / ٢٠٥.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : بإثم.
(٤) في أ : أيضا لا.
(٥) في ب : إليه.
(٦) في أ : تحصينا.
(٧) سقط في ب.
(٨) في ب : أن.
(٩) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٣٠.
(١٠) ذكره القرطبي في تفسيره ٥ / ٢٤٣ ـ ٢٤٤.
(١١) في أ : الكلمتين.