وقال مجاهد : إلا أن يجهر بظلم ظالمه له (١).
وقال الأصمّ (٢) : لا يجوز إظهار الأحوال (٣) المستورة ؛ لأن ذلك يصير سببا لوقوع النّاس في الغيبة ؛ ووقوع ذلك الإنسان في الرّيبة ، ولكن من ظلم فيجوز (٤) إظهار ظلمه ؛ بأن يذكر أنّه سرق أو غصب.
وقيل : نزلت في أبي بكر الصّدّيق ـ رضي الله عنه ـ فإنّ رجلا شتمه ، فسكت مرارا ثمّ ردّ عليه ، فقام النّبي صلىاللهعليهوسلم. فقال أبو بكر : شتمني وأنت جالس ، فلّما رددت عليه قمت. قال : إن ملكا كان يردّ عنك ، فلما رددت [عليه](٥) ذهب الملك وجاء الشّيطان ، فلم أجلس عند مجيء الشّيطان ، فنزلت الآية (٦).
وقيل : نزلت في الضيف ؛ روى عقبة بن عامر قال : قلنا يا رسول الله : إنك تبعثنا فننزل على قوم لا يقرونا فما ترى؟ فقال النّبي صلىاللهعليهوسلم : «إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضّيف ، فاقبلوه ، فإن لم يفعلوا ، فخذوا منهم حقّ الضّيف الذي ينبغي لهم» (٧).
وقيل : معنى الآية إلا من أكره [على](٨) أن يجهر بسوء من القول كفرا كان أو نحوه ، فذلك مباح ، فالآية على ذلك (٩) في الإكراه.
قال قطرب : (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) يريد : المكره ؛ لأنه مظلوم ، قال : ويجوز أن يكون المعنى إلا من ظلم على البدل ؛ كأنه قال : لا يحبّ الله إلا من ظلم ، أي : لا يحبّ الظّالم ؛ كأنه يقل : يحبّ من ظلم [أي : يأجر من ظلم](١٠) ، والتقدير على هذا القول : لا يحبّ الله ذا الجهر بالسّوء إلا من ظلم على البدل.
قال القرطبيّ (١١) : وظاهر الآية يقتضي أنّ للمظلوم أن ينتصر من ظالمه ولكن مع اقتصاد(١٢) إن كان مؤمنا ، كما قال الحسن ، فأمّا أن يقابل القذف بالقذف ونحوه فلا ، وإن كان كافرا فأرسل لسانك وادع بما شئت ؛ كما فعل النّبيّ صلىاللهعليهوسلم حيث قال : «اللهمّ اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف» (١٣).
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٣٤٥) عن مجاهد.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٧٢.
(٣) في أ : الحال.
(٤) في ب : فيجوز له.
(٥) سقط في أ.
(٦) ينظر تفسير الفخر الرازي (١١ / ٧٢).
(٧) أخرجه البخاري (٥ / ١٠٨) كتاب المظالم : باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه حديث (٢٤٦١) ومسلم (٣ / ١٣٥٣) باب الضيافة ونحوها حديث (١٧ / ١٧٢٧) من حديث عقبة بن عامر.
(٨) سقط في ب.
(٩) في ب : هذا.
(١٠) سقط في ب.
(١١) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ٤.
(١٢) في ب : اقتصار.
(١٣) تقدم.