فصل : لا يحب الله الجهر بالسوء ولا غير الجهر
قال العلماء : إنه ـ تعالى ـ لا يحبّ الجهر بالسّوء من القول ولا غير الجهر ، وإنما ذكر هذا الوصف ؛ لأن كيفيّة الواقعة أوجبت ذلك ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا) [النساء : ٩٤] والتّبيّن واجب في الظّعن والإقامة ، فكذا ههنا.
فصل شبهة المعتزلة وردها
قالت المعتزلة (١) : دلت الآية على أنّه لا يريد من عباده فعل القبائح ولا يخلقها ؛ لأن محبّة الله عبارة عن إرادته ، فلما قال : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ). علمنا أنه لا يريد ذلك ، وأيضا لو كان خالقا لأفعال العباد (٢) ، لكان مريدا لها ؛ ولو كان مريدا لها ، لكان قد أحبّ إيجاد الجهر بالسّوء من القول ، وهو خلاف الآية.
والجواب : المحبّة عبارة عن إعطاء الثّواب على القول ، وعلى هذا يصحّ أن يقال : إنّه ـ تعالى ـ أراده ولكنّه ما أحبّه.
ثم قال : (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً) وهو تحذير من التّعدّي في الجهر المأذون فيه ، يعني : فليتّق الله ولا يقل إلّا الحقّ ، فإنه سميع لما تقوله ، عليم بما تضمره ، وقيل : سميع لدعاء المظلوم ، عليم بعقاب الظّالم.
قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً)(١٤٩)(٣)
(٣) قيل : «تبدوا خيرا» أي : حسنة فيعمل (٤) بها ، كتبت عشرة ، وإن همّ بها ولم يعملها ، كتبت له حسنة واحدة ، وهو قوله : (أَوْ تُخْفُوهُ).
وقيل : المراد من الخير : المال ؛ لقوله : (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً) والمعنى : إن تبدوا صدقة تعطونها جهرا ، أو تخفوها فتعطوها سرّا ، (أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ) أي : عن مظلمة والظاهر أن الضّمير المنصوب في «تخفوه» عائد (٥) على «خيرا» ، والمراد به : أعمال البرّ كلّها ، وأجاز بعضهم أن يعود على «السّوء» أي : أو تخفوا السّوء ، وهو بعيد.
ثم قال : (فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً).
قال الحسن : يعفو عن الجانبين مع قدرته على الانتقام (٦) ، فعليكم أن تقتدوا بسنّة الله ، وقال الكلبي (٧) : الله أقدر على عفو ذنوبكم منك على عفو صاحبك (٨) ، وقيل : عفوّا لمن عفى ، قديرا على إيصال الثّواب إليه.
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٧٢.
(٢) في ب : العبد.
(٣) سقط في ب.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : تعمل.
(٥) في ب : بما يدل.
(٦) ينظر : تفسير الرازي (١١ / ٧٣).
(٧) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٧٣.
(٨) ينظر : المصدر السابق.