بِكُفْرِهِمْ) كلاما يتبع قوله : (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ) على وجه الاستطراد ، ويجوز عطفه على ما يليه من قوله «بكفرهم» ، فإن قلت : فما معنى المجيء بالكفر معطوفا على ما فيه ذكره؟ سواء عطف على ما قبل الإضراب ، أو على ما بعده ، وهو قوله : (وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ) ، وقوله «بكفرهم»؟ قلت : قد تكرر منهم الكفر ؛ لأنهم كفروا بموسى ، ثم بعيسى ، ثم بمحمد ، فعطف بعض كفرهم على بعض ، أو عطف مجموع المعطوف على مجموع المعطوف عليه ؛ كأنه قيل : فبجمعهم بين نقض الميثاق ، والكفر بآيات الله ، وقتل الأنبياء ، وقولهم : قلوبنا غلف ، وجمعهم بين كفرهم وبهتهم مريم وافتخارهم بقتل عيسى ؛ عاقبناهم ، أو بل طبع الله عليها بكفرهم وجمعهم بين كفرهم كذا وكذا».
قوله : [(وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ)] (بُهْتاناً عَظِيماً) في نصب [«بهتانا»] خمسة أوجه :
أظهرها : أنه مفعول به ؛ فإنه مضمن معنى «كلام» ؛ نحو : قلت خطبة وشعائرا.
الثاني : أنه منصوب على نوع المصدر ، كقولهم : «قعد القرفصاء» يعني : أن القول يكون بهتانا وغير بهتان.
الثالث : أن ينتصب نعتا لمصدر محذوف ، أي : قولا بهتانا ، وهو قريب من معنى الأول.
الرابع : أنه منصوب بفعل مقدر من لفظه ، أي : بهتوا بهتانا.
الخامس : أنه حال من الضمير المجرور في قولهم ، أي : مباهتين ، وجاز مجيء الحال من المضاف إليه ؛ لأنه فاعل معنى ، والتقدير : وبأن قالوا ذلك مباهتين.
فصل في المقصود بالبهتان
والمراد بالبهتان : أنهم رموا مريم بالزنا ، لأنهم أنكروا قدرة الله ـ تعالى ـ على خلق الولد من غير أب ، ومنكر قدرة الله على ذلك كافر ؛ لأنه يلزم أن يقول : كل ولد مسبوق بوالد لا إلى أول ، وذلك يوجب القول بقدم العالم والدهر ، والقدح في وجود الصانع المختار ، فالقوم أولا أنكروا قدرة الله ـ تعالى ـ على خلق الولد من غير أب ، وثانيا : نسبوا مريم إلى الزنا.
فالمراد بقوله : «وبكفرهم» هو إنكارهم قدرة الله ـ تعالى ـ ، وبقوله : (وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً) نسبتهم إياها إلى الزنا ، ولما حصل التغير (١) حسن العطف ، وإنما صار هذا الطعن بهتانا عظيما ؛ لأنه ظهر عند ولا دة عيسى ـ عليهالسلام (٢) ـ [من](٣) الكرامات
__________________
(١) في ب : التغاير.
(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٣) سقط في ب.