الثاني : النصب على الحال من «شك» ، وجاز ذلك ، وإن كان نكرة لتخصصه بالوصف بقوله «منه».
الثالث : الاستئناف ، ذكره أبو البقاء ، وهو بعيد.
قوله : (إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ) في هذا الاستثناء قولان :
أصحهما : ولم يذكر الجمهور غيره : أنه منقطع ؛ لأن اتباع الظن ليس من جنس العلم ، [قال شهاب الدين :](١) ، ولم يقرأ فيما علمت إلا بنصب «اتباع» على أصل الاستثناء المنقطع ، وهي لغة الحجاز ، ويجوز في تميم الإبدال من «علم» لفظا ، فيجر ، أو على الموضع ، فيرفع ؛ لأنه مرفوع المحل ؛ كما قدمته لك ، و «من» زائدة فيه.
والثاني ـ قاله ابن عطية ـ : أنه متصل ، قال : «إذ العلم والظن يضمهما جنس أنهما من معتقدات اليقين ، يقول الظان على طريق التجوز : «علمي في هذا الأمر كذا» إنما يريد ظني» انتهى ، وهذا غير موافق عليه ؛ لأن الظن ما ترجح فيه أحد الطرفين ، واليقين ما جزم فيه بأحدهما ، وعلى تقدير التسليم فاتباع الظن ليس من جنس العلم ، بل هو غيره ، فهو منقطع أيضا ، أي : ولكن اتباع الظن حاصل لهم.
ويمكن أن يجاب شهاب الدين عما رد به على ابن عطية : بأن العلم قد يطلق على الظن ، فيكون من جنسه ؛ كقوله ـ تعالى ـ (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) [البقرة : ٤٦] وأراد : يعلمون ، وقوله : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) [يوسف : ١١٠] أي : تيقنوا ، وقوله : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) [الكهف : ٥٣] وإذا كان يصح إطلاقه عليه ، صار الاستثناء متصلا.
فصل في دفع شبهة لمنكري القياس
احتج نفاة القياس بهذه الآية ، وقالوا : العمل بالقياس من اتباع الظن ، وهو مذموم ؛ لأن الله ـ تعالى ـ ذكر اتباع الظن في معرض الذم هاهنا ، وذم الكفار في سورة الأنعام بقوله : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ)(٢)(إِلَّا يَخْرُصُونَ) [الأنعام : ١١٦] وقال : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) [يونس : ٣٦] فدل ذلك على أن اتباع الظن مذموم.
والجواب : لا نسلم أن العمل بالقياس [من اتباع الظن ؛ فإن الدليل القاطع لما دل على العمل بالقياس](٣) ، كان الحكم المستفاد من القياس معلوما لا مظنونا.
قوله : (وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) الضمير في «قتلوه» فيه أقوال :
أظهرها : أنه ل «عيسى» ، وعليه جمهور المفسرين.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٢ / ٤٥٨.
(٢) في أ : أنتم.
(٣) سقط من ب.