والله [ـ تعالى ـ](١) وصف العلماء أوّلا : بكونهم راسخين في العلم ، ثم شرح ذلك مبيّنأ :
أولا : كونهم عالمين بأحكام الله ، وعاملين بها.
أما علمهم بأحكام الله ، فهو قوله [ـ تعالى ـ](٢) : (وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ).
وأما عملهم بها ، فهو قوله : (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) وخصّهما بالذّكر ؛ لكونهما أشرف الطّاعات البدنيّة والماليّة.
ولمّا شرح كونهم عالمين بالأحكام وعاملين بها ، شرح بعده كونهم عالمين بالله.
وأشرف المعارف العلم بالمبدأ ، والمعاد ؛ فالعلم بالمبدأ قوله ـ تعالى ـ : (وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ) ، والعلم بالمعاد قوله : (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
قوله تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ)(٣)(وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً* وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً* رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً)
لما حكى أن اليهود يسألون الرّسول صلىاللهعليهوسلم أن ينزّل عليهم كتابا من السّماء ؛ وذكر ـ تعالى ـ بعده أنّهم لا يطلبون ذلك استرشادا ، ولكن عنادا ، وحكى أنواع فضائحهم وقبائحهم ، فلما وصل إلى هذا المقام ، شرع الآن في الجواب عن تلك الشّبهة ؛ فقال : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ). والمعنى : أنّا توافقنا على نبوّة نوح وإبراهيم وإسماعيل وجميع المذكورين ، على أنّ الله ـ تعالى ـ أوحى إليهم ، ولا طريق إلى العلم بكونهم أنبياء الله ورسله إلا المعجزات ، ولكلّ واحد منهم نوع من المعجزة معيّنة ، وأما أنزل الله على كلّ واحد من هؤلاء المذكورين [كتابا بتمامه ؛ مثل ما أنزل على موسى ، فلما لم يكن عدم إنزال الكتاب على هؤلاء](٤) دفعة واحدة قادحا في نبوّتهم ، بل كفى في ظهور نبوّتهم نوع واحد من أنواع المعجزات ، علمنا أن هذه الشّبهة زائلة ، وأن إصرار اليهود على طلب المعجزة باطل ؛ لأن إثبات المدلول يتوقّف على إثبات (٥) الدّليل ، فإذا حصل الدّليل وتمّ ، فالمطالبة بدليل آخر يكون تعنّتا ولجاجا.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : ثبوت.