وإذا كان المقصود من تعديده هؤلاء الأنبياء هذا المعنى ، لم يجز ذكر موسى معهم.
وفي «يونس» ستّ لغات (١) ؛ أفصحها : واو خالصة ، ونون مضمومة ، وهي لغة الحجاز ، وحكي كسر النون بعد الواو ، وبها قرأ نافع في رواية حبّان ، وحكي أيضا فتحها مع الواو ، وبها قرأ النّخعي ، وهي لغة لبعض عقيل ، وهاتان القراءتان جعلهما بعضهم منقولتين من الفعل المبنيّ للفاعل أو للمفعول ، جعل هذا الاسم مشتقا من الأنس ، وإنما أبدلت الهمزة واوا ؛ لسكونها وانضمام ما قبلها ؛ ويدلّ على ذلك مجيئه بالهمزة على الأصل في بعض اللغات ؛ كما سيأتي ، وفيه نظر ، لأن هذا الاسم أعجميّ ، وحكي تثليث النون مع همز الواو ؛ كأنهم قلبوا الواو همزة ؛ لانضمام ما قبلها ؛ نحو : [الوافر]
١٩٠٣ ـ أحبّ المؤقدين إليّ مؤسى |
|
................(٢) |
قال شهاب الدين (٣) : وقد تقدّم تقريره ، وحكي أنّ ضمّ النون مع الهمز لغة بعض بني أسد ، إلا أني لا أعلم أنه قرىء بشيء من لغات الهمز ، هذا إذا قلنا : إن هذا الاسم ليس منقولا من فعل مبنيّ للفاعل أو للمفعول حالة كسر النون أو فتحها ، أمّا إذا قلنا بذلك ، فالهمزة أصلية غير منقلبة من واو ؛ لأنه مشتق من الأنس ، وأمّا مع ضمّ النون ، فينبغي أن يقال بأن الهمزة بدل من الواو ؛ لانتفاء الفعلية مع ضم النون.
قوله تعالى : (زَبُوراً) قرأ الجمهور بفتح الزاي ، وحمزة (٤) بضمّها ، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه جمع «زبر» قال الزمخشريّ : جمع «زبر» ، وهو الكتاب ، ولم يذكر غيره ، يعني أنه في الأصل مصدر على فعل ، ثم جمع على فعول ، نحو : فلس وفلوس ، وقلس وقلوس ، وهذا القول سبقه إليه أبو علي الفارسيّ في أحد التخريجين عنه ، قال أبو عليّ : «ويحتمل أن يكون جمع زبر وقع على المزبور ، كما قالوا : ضرب الأمير ، ونسج اليمن فصار اسما ، ثم جمع على زبور كشهود وشهد ؛ كما سمّي المكتوب كتابا» ، يعني أبو عليّ ؛ أنه مصدر واقع موقع المفعول به ؛ كما مثّله.
والثاني : أنه جمع «زبور» في قراءة العامة ، ولكنه على حذف الزوائد ، يعني حذفت الواو منه ، فصار اللفظ : زبر ، وهذا التخريج الثاني لأبي عليّ ، قال أبو عليّ : «كما قالوا :
__________________
(١) ينظر هذه اللغات وما تبع ذلك من قراءات في : المحرر الوجيز ٢ / ١٣٦ والبحر المحيط ٣ / ٤١٣ ، والدر المصون ٢ / ٤٦٤.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : الدر المصون : ٢ / ٤٦٤.
(٤) ينظر : السبعة ٢٤٠ ، والحجة ٣ / ١٩٣ ، وحجة القراءات ٢١٩ ، وإعراب القراءات ١ / ١٤٠ ، والعنوان ٨٦ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢٢٣ ، وشرح شعلة ٣٤٧ ، وإتحاف ١ / ٥٢٦.