الرابع : أنه منصوب على المدح ، قدّره أبو البقاء (١) ب «أعني» ، وكان ينبغي أن يقدّره فعلا دالّا على المدح ، نحو : «أمدح» ، وقد رجّح الزمخشريّ هذا الأخير ، فقال : «والأوجه أن ينتصب «رسلا» على المدح».
قوله : «لئلّا» هذه لام كي ، وتتعلّق ب «منذرين» على المختار عند البصريّين ، وب «مبشّرين» على المختار عند الكوفيّين ؛ فإن المسألة من التنازع ، ولو كان من إعمال الأول ، لأضمر في الثاني من غير حذف ، فكان يقال : مبشّرين ومنذرين [له] لئلا ، ولم يقل كذلك ، فدلّ على مذهب البصريّين ، وله في القرآن نظائر تقدّم منها جملة صالحة ، وقيل : اللام تتعلّق بمحذوف ، أي : أرسلناهم لذلك ، و «حجّة» اسم «كان» ، وفي الخبر وجهان :
أحدهما : هو «على الله» و «للنّاس» حال.
والثاني : أن الخبر «للنّاس» و «على الله» حال ، ويجوز أن يتعلّق كلّ من الجارّ والمجرور بما تعلّق به الآخر ، إذا جعلناه خبرا ، ولا يجوز أن يتعلّق على الله ب «حجّة» ، وإن كان المعنى عليه ؛ لأنّ معمول المصدر لا يتقدم عليه ، و «بعد الرّسل» متعلق ب «حجّة» ، ويجوز أن يتعلّق بمحذوف على أنه صفة ل «حجّة» ؛ لأنّ ظروف الزمان توصف بها الأحداث ؛ كما يخبر بها عنها ؛ نحو : «القتال يوم الجمعة».
فصل في جواب الآية عن شبهة اليهود
هذه الآية جواب عن شبهة اليهود ، وتقريره : أن المقصود من بعثة الرّسل أن يبشّروا وينذروا ، وهذا المقصود حاصل سواء كان الكتاب نازلا دفعة واحدة أو منجّما ، ولا يختلف هذا الغرض بنزول الكتاب منجّما أو دفعة واحدة.
بل لو قيل : إن إنزال الكتاب منجّما مفرّقا أقرب إلى المصلحة ، لكان أولى ؛ لأن الكتاب إذا نزل دفعة واحدة ، كثرت التّكاليف على المكلّف ، فيثقل فعلها ؛ ولهذا السّبب أخذ قوم موسى ـ عليهالسلام ـ على التمرّد ، ولم يقبلوا تلك التّكاليف.
أمّا إذا نزل الكتاب منجّما مفرّقا ، سهل قبوله للتّدريج ، فحينئذ يحصل الانقياد والطّاعة من القوم ، فكان اقتراح اليهود إنزال الكتاب دفعة واحدة اقتراحا فاسدا.
ثم قال : (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) يعني : هذا الذي تطلبونه من الرسول أمر هيّن في القدرة ، وإنما طلبتموه على سبيل اللّجاج ، وهو ـ تعالى ـ عزيز ، وعزّته تقتضي ألا يجاب المتعنّت إلى مطلوبه ، وكذلك حكمته تقتضي هذا الامتناع ؛ لعلمه ـ تعالى ـ بأنّه لو فعل ذلك لبقوا مصرّين على اللّجاج ؛ لأنه ـ تعالى ـ أعطى موسى ـ [عليه الصلاة والسلام](٢)
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٠٣.
(٢) سقط في أ.