ـ هذا التّشريف ، ومع ذلك أصرّوا على المكابرة واللّجاج.
فصل
احتجّوا بهذه الآية على أنّ معرفة الله ـ تعالى ـ لا تثبت إلا بالسّمع ؛ لأن قوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) يدلّ على أنّ قبل البعثة يكون للنّاس حجّة في ترك الطّاعات ، ويؤيّده قوله ـ تعالى ـ : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء : ١٥] ، وقوله : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) [طه : ١٣٤].
فصل شبهة للمعتزلة وردها
قالت المعتزلة (١) : دلّت هذه الآية على أن العبد قد يحتجّ على الربّ ـ سبحانه وتعالى ـ وأنّ الذي يقوله أهل السّنّة من أنّه تعالى لا اعتراض عليه في شيء ، وأنّه يفعل ما يشاء كما شاء ليس بشيء ؛ لأن قوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) يقتضي أنّ لهم حجّة على الله قبل الرّسل ، وذلك يبطل قول أهل السّنّة.
والجواب (٢) : أن المراد (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ) أي : فيما يشبه الحجّة فيما بينكم.
فصل شبهة للمعتزلة وردها
قالت المعتزلة : دلّت الآية على أنّ تكليف ما لا يطاق غير جائز ؛ لأن عدم إرسال الرّسل إذا كان يصلح عذرا ، فبأن يكون عدم المكنة والقدرة صالحا لأن يكون عذرا أولى.
والجواب : بالمعارضة بالعلم.
قوله تعالى : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (١٦٦)
قوله تعالى : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ) هذه الجملة الاستدراكية لا يبتدأ بها ، فلا بدّ من جملة محذوفة ، وتكون هذه الجملة مستدركة عنها ، والجملة المحذوفة هي ما روي في سبب النزول ؛ أنه لمّا نزلت : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) [الآية : ١٦٣ النساء] ، قالوا : ما نشهد لك بهذا أبدا ، فنزلت : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ) ، وقد أحسن الزمخشريّ هنا في تقدير جملة غير ما ذكرت ، وهو : «فإن قلت : الاستدراك لا بدّ له من مستدرك ، فأين هو في قوله : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ)؟ قلت: لمّا سأل أهل الكتاب إنزال الكتاب من السماء ، وتعنّتوا بذلك ، واحتجّ
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٨٨.
(٢) في أ : وأجيبوا.