بغاية الجودة والحسن ، فكذا ههنا دلّت هذه الآية على أنّ لله ـ تعالى ـ علما ؛ لأنّها أثبتت العلم لله ـ تعالى ـ ولو كان علمه نفس ذاته ، لزم إضافة الشّيء إلى نفسه ، وهو محال.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) إنّما تعرف شهادة الملائكة له بذلك ؛ لأن إظهار المعجزة على يده ، لمّا دلّ على أنّ الله ـ تعالى ـ شهد بذلك ، فالملائكة [أيضا](١) يشهدون لا محالة ، لأنّهم لا يسبقونه بالقول ، فكأنّه قيل : يا محمد إن كذّبك هؤلاء [اليهود](٢) ، فلا تبال بهم ، فإنّ إله العالمين يصدّقك ، وملائكة السّموات يصدّقونك في ذلك ، ومن صدّقه ربّ العالمين ، وملائكة العرش والكرسيّ ، والسّموات السّبع أجمعين ، لم يلتفت إلى تكذيب أخسّ النّاس.
ثمّ قال : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) [وقد تقدّم الكلام فيه](٣).
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً)(١٦٩)
قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) الآية والجمهور على «وصدّوا» مبنيّا للفاعل ، وقرأ (٤) عكرمة وابن هرمز : «وصدّوا» مبنيّا للمفعول ، وهما واضحتان ، وقد قرىء بهما في المتواتر في قوله : (وَصَدُّوا) [الرعد : ٣٣] في الرعد ، و (وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ) [غافر : ٣٧] في غافر.
والمراد كفروا بقولهم : لو كان رسولا ، لأتى بكتاب دفعة واحدة من السّماء ؛ كما أنزلت التوراة على موسى ؛ وقولهم : إنّ الله ـ تعالى ـ ذكر في التّوراة ؛ أنّ شريعة موسى لا تبدّل ولا تنسخ إلى يوم القيامة ، وقولهم : إنّ الأنبياء لا يكونون إلّا من ولد هارون وداود ، وصدّهم عن سبيل الله : بكتمان نعت محمّد صلىاللهعليهوسلم.
(قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً) ، إلا أنّ أشدّ النّاس ضلالا من كان يعتقد في نفسه أنّه محقّ ، ثم يتوسّل بذلك الضّلال إلى اكتساب المال والجاه ، ثم يبذل جهده في إلقاء غيره في مثل ذلك الضّلال ، فهذا قد بلغ في الضّلال إلى أقصى الغايات.
ولمّا وصف الله ضلالهم ، ذكر وعيدهم ؛ فقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا) بكتمان نعت محمّد [صلىاللهعليهوسلم](٥) ، وظلموا أتباعهم بإلقاء الشّبهات (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) ، وقد تقدّم الكلام على قوله (لِيَغْفِرَ لَهُمْ) وأن الفعل مع هذه اللّام أبلغ منه دونها.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٣٨ ، والبحر المحيط ٣ / ٤١٦ ، والدر المصون ٢ / ٤٦٧.
(٥) سقط في أ.