واعلم أنّا إن حملنا قوله : «إنّ الذين» على المعهود السّابق لم يحتج إلى إضمار شرط في هذا الوعيد على أقوام علم الله منهم أنّهم يموتون على الكفر.
وإن حملناه على الاستغراق ، أضمرنا فيه شرط عدم التّوبة.
قوله سبحانه : (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) في هذا الاستثناء قولان :
أحدهما : أنه استثناء متّصل ، لأن [المراد](١) بالطّريق الأوّل : العموم ، فالثّاني من جنسه.
والثاني : أنه منقطع إن أريد بالطّريق شيء مخصوص ؛ وهو العمل الصّالح الذي يتوصّلون به إلى الجنّة ، وانتصب «خالدين» على الحال ، والعامل فيه معنى (لا يَهْدِيهِمُ اللهُ) ؛ لأنه بمنزلة : يعاقبهم خالدين ، وانتصب «أبدا» على الظّرف ، (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) أي : لا يتعذّر عليه شيء.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً)(١٧٠)
قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ) الآية لما أجاب عن شبهة اليهود ، [و](٢) بين فساد طريقهم ، ذكر خطابا عامّا يعمّهم ويعمّ غيرهم في الدّعوة إلى الإسلام.
قوله سبحانه : (بِالْحَقِ) : فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلّق بمحذوف ، والباء للحال ، أي : جاءكم الرسول ملتبسا بالحقّ ، أو متكلّما به.
والثاني : أنه متعلق بنفس «جاءكم» ، أي : جاءكم بسبب إقامة الحقّ ، والمراد بهذا الحق القرآن ، وقيل : الدعوة إلى عبادة الله ، والإعراض عن غيره ، و (مِنْ رَبِّكُمْ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلق بمحذوف ؛ على أنه حال أيضا من «الحقّ».
والثاني : أنه متعلق ب «جاء» ، أي : جاء من عند الله ، أي : أنه مبعوث لا متقوّل.
قوله تعالى : (فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ) في نصبه أربعة أوجه :
أحدها ـ وهو مذهب الخليل وسيبويه (٣) ـ : أنه منصوب بفعل محذوف واجب الإضمار ، تقديره : وأتوا خيرا لكم ؛ لأنه لمّا أمرهم بالإيمان فهو يريد إخراجهم من أمر ، وإدخالهم فيما هو خير منه ، ولم يذكر الزمخشريّ غيره ؛ قال : «وذلك أنه لمّا بعثهم على
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر : الكتاب ١ / ١٤٣.