الإيمان وعلى الانتهاء عن التثليث ، علم أنه يحملهم على أمر ، فقال : خيرا لكم ، أي : اقصدوا وأتوا أمرا خيرا لكم مما أنتم فيه من الكفر والتثليث».
الثاني ـ وهو مذهب الفراء (١) ـ : أنه نعت لمصدر محذوف ، أي : فآمنوا إيمانا خيرا لكم ، وفيه نظر ؛ من حيث أنه يفهم أنّ الإيمان منقسم إلى خير وغيره ، وإلّا لم يكن لتقييده بالصفة فائدة ، وقد يقال : إنه قد يكون لا يقول بمفهوم الصفة ؛ وأيضا : فإن الصفة قد تأتي للتأكيد وغير ذلك.
الثالث ـ وهو مذهب الكسائي وأبي عبيد ـ : أنه منصوب على خبر «كان» المضمرة ، تقديره : يكن الإيمان خيرا ، وقد ردّ بعضهم هذا المذهب ؛ بأنّ «كان» لا تحذف مع اسمها دون خبرها ، إلا فيما لا بدّ له منه ، ويزيد ذلك ضعفا أنّ «يكن» المقدرة جواب شرط محذوف ، فيصير المحذوف الشرط وجوابه ، يعني : أنّ التقدير : إن تؤمنوا ، يكن الإيمان خيرا ، فحذفت الشرط ، وهو «إن تؤمنوا» وجوابه ، وهو «يكن الإيمان» وأبقيت معمول الجواب ، وهو «خيرا» ، وقد يقال : إنه لا يحتاج إلى إضمار شرط صناعيّ ، وإن كان المعنى عليه ؛ لأنّا ندّعي أن الجزم الذي في «يكن» المقدرة ، إنما هو بنفس جملة الأمر التي قبله ، وهو قوله : «فآمنوا» من غير تقدير حرف شرط ، ولا فعل له ، وهو الصحيح في الأجوبة الواقعة لأحد الأشياء السبعة ، تقول : «قم أكرمك» ، ف «أكرمك» جواب مجزوم بنفس «قم» ؛ لتضمّن هذا الطلب معنى الشرط من غير تقدير شرط صناعيّ.
الرابع ـ والظاهر فساده ـ : أنه منصوب على الحال ، نقله مكي (٢) عن بعض الكوفيّين ، قال : «وهو بعيد» ، ونقله أبو البقاء (٣) أيضا ، ولم يعزه.
(وَإِنْ تَكْفُرُوا) فإنّ الله غنيّ عن إيمانكم ؛ لأنه مالك السّماوات والأرض وخالقها ، ومن كان كذلك ، لم يكن محتاجا إلى شيء ، ويكون التّقدير فإنّ لله ما في السّماوات وما في الأرض ، ومن كان كذلك ، قادرا على إنزال العذاب عليكم لو كفرتم ، أو يكون المراد : إن كفرتم ، فله ملك السّماوات والأرض ، ومن كان كذلك فله عبيد يعبدونه وينقادون لأمره ، فيجازي كلّا بفعله.
قوله عزوجل (٤) : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً)(١٧١)
لمّا أجاب عن شبهات اليهود ، تكلّم بعد ذلك مع النّصارى ، والتّقدير : يا أهل
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن ١ / ١٩٥.
(٢) ينظر : المشكل ١ / ٢١٤.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٠٤.
(٤) في ب : قوله تعالى.