أحدها : أنه معنى «كلمة» ؛ لأنّ معنى وصف عيسى بالكلمة : المكوّن بالكلمة من غير أب ، فكأنه قال : ومنشؤه ومبتدعه.
والثاني : أن يكون التقدير : إذ كان ألقاها ، ف «إذ» ظرف زمان مستقبل ، و «كان» تامّة ، وفاعلها ضمير الله تعالى ، و «ألقاها» حال من ذلك الفاعل ، وهو كقولهم : «ضربي زيدا قائما».
والثالث : أن يكون حالا من الهاء المجرورة ، والعامل فيها معنى الإضافة ، تقديره : وكلمة الله ملقيا إيّاها. انتهى. أمّا جعله العامل معنى «كلمة» فصحيح ، لكنه لم يبين في هذا الوجه من هو صاحب الحال؟ وصاحب الحال الضمير المستتر في «كلمته» العائد على عيسى ؛ لما تضمّنته من معنى المشتقّ ؛ نحو : «منشأ ومبتدع» ، وأمّا جعله العامل معنى الإضافة ، فشيء ضعيف ، ذهب إليه بعض النحويّين ، وأمّا تقديره الآية بمثل «ضربي زيدا قائما» ، ففاسد من حيث المعنى ، والله أعلم.
فصل في تفسير الكلمة
قد تقدّم في تفسير «الكلمة» في قوله : (يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) [آل عمران : ٤٥] ، والمعنى : أنّه وجد بكلمة الله وأمره ، من غير واسطة [أب](١) ولا نطفة ؛ لقوله [تعالى](٢) : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)](٣) [آل عمران : ٥٩].
قوله تعالى (وَرُوحٌ) عطف على «كلمة» ، و «منه» صفة ل «روح» ، و «من» لابتداء الغاية مجازا ، وليست تبعيضيّة ، ومن غريب ما يحكى أن بعض النصارى ناظر عليّ بن الحسين بن واقد المروزيّ ، وقال : «في كتاب الله ما يشهد أنّ عيسى جزء من الله» ، وتلا : (وَرُوحٌ مِنْهُ) ، فعارضه ابن واقد بقوله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) [الجاثية : ١٣] ، وقال : «يلزم أن تكون تلك الأشياء جزءا من الله تعالى ، وهو محال بالاتفاق» ، فانقطع النصرانيّ وأسلم.
فصل
قيل : معنى (رُوحٌ مِنْهُ) [هي](٤) روح كسائر الأرواح ، وإنّما أضافها الله ـ تعالى ـ إلى نفسه تشريفا.
وقيل : الرّوح هو النّفخ الذي نفخه (٥) جبريل في درع مريم ـ [عليهاالسلام](٦) ـ
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في أ.
(٥) في أ : نفخ.
(٦) سقط في ب.