فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً)(١٧٣)
قوله : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) الآية لمّا أقام الحجّة القاطعة على أنّ عيسى عبد الله ، لا يجوز أن يكون ابنا له ، أشار بعده إلى حكاية شبهتهم ، وأجاب عنها ؛ لأنّ الشّبهة التي عوّلوا عليها في إثبات أنّه ابن الله ؛ هو [أنّه](١) كان يخبر عن الغيبيّات (٢) ، ويأتي بخوارق العادات من الإبراء والإحياء ، فكأنّه ـ تعالى ـ قال : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ) بسبب القدر من العلم والقدرة عن عبادة الله ـ [سبحانه] وتعالى ـ ، فإن الملائكة المقرّبين أعلى حالا منه في القدرة ؛ لأن ثمانية منهم حملة العرش على عظمته ، ثم [إنّ](٣) الملائكة مع كمالهم في العلوم ، لم يستنكفوا عن عبوديّة (٤) الله ، فكيف يستنكف المسيح عن عبوديّته بسبب هذا القدر القليل الذي كان معه من العلم والقدرة.
والاستنكاف : استفعال من النّكف ، والنّكف : أن يقال [له] سوء ، ومنه : «وما عليه في هذا الأمر نكف ولا وكف» ، قال أبو العباس : «واستفعل هنا بمعنى دفع النّكف عنه» ، وقال غيره : «هو الأنفة والتّرفّع» ، ومنه : «نكفت الدّمع بإصبعي» ، إذا منعته من الجري على خدّك ، قال : [الطويل]
١٩١٠ ـ فبانوا فلو لا ما تذكّر منهم |
|
من الحلف لم ينكف لعينيك مدمع (٥) |
فصل
روي أن وفد نجران قالوا : يا محمّد ، إنك تعيب صاحبنا ، فتقول : إنّه عبد الله ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «ليس بعار لعيسى ـ عليهالسلام ـ أن يكون عبدا لله» فنزلت هذه الآية (٦).
وقرأ عليّ (٧) : «عبيدا» على التّصغير ، وهو مناسب للمقام ، وقرأ الجمهور «أن يكون عبدا لله» بفتح همزة «أن» ، [فهو في موضع نصب ، وقرأ الحسن (٨) : «إن» بكسر الهمزة على أنّها نفي بمعنى](٩) : ما يكون له ولد ، فينبغي رفع «يكون» ، ولم يذكره الرواة ؛ نقله القرطبيّ (١٠).
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : المغيبات.
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : عبادة.
(٥) ينظر البيت في اللسان (نكف) والبحر المحيط ٣ / ٤١٠ ، والدر المصون ٢ / ٤٧١ وزاد المسير ٢ / ٢٦٣.
(٦) ينظر : «التفسير الكبير» للفخر الرازي (١١ / ٩٣).
(٧) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٤١٩ ، والدر المصون ٢ / ٤٧٠.
(٨) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٤٠ ، والبحر المحيط ٣ / ٤١٨ ، والدر المصون ٢ / ٤٧٠.
(٩) سقط في ب.
(١٠) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ١٩.