قاله الزمخشريّ وهو : «فإن قلت : التفصيل غير مطابق للمفصّل ؛ لأنه اشتمل على الفريقين ، والمفصّل على فريق واحد ، قلت : هو مثل قولك : «جمع الإمام الخوارج : فمن لم يخرج عليه ، كساه حلّة ، ومن خرج عليه ، نكّل به» وصحة ذلك ؛ لوجهين :
أحدهما : أن يحذف ذكر أحد الفريقين ؛ لدلالة التفصيل عليه ؛ ولأنّ ذكر أحدهما يدلّ على ذكر الثاني ؛ كما حذف أحدهما في التفصيل في قوله عقيب هذا : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ).
والثاني : وهو أن الإحسان إلى غيرهم مما يغمّهم ؛ فكان داخلا في جملة التنكيل بهم ، فكأنه قيل : ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيعذبهم بالحسرة ، إذا رأوا أجور العاملين ، وبما يصيبهم من عذاب الله». انتهى ، يعني بالتفصيل قوله : «فأمّا» و «أمّا» ، وقد اشتمل على فريقين ، أي : المثابين والمعاقبين ، وبالمفصّل قوله قبل ذلك : (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ) ، ولم يشتمل إلا على فريق واحد هم المعاقبون.
فصل
بيّن ثواب الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أنه يوفّيهم أجورهم ، ويزيدهم من فضله من التّضعيف ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر.
قوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا) عن عبادته (فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً).
وقدم ثواب المؤمنين على عقاب المستنكف (١) ؛ لأنّهم إذا رأوا ثواب المطيعين ، ثم شاهدوا بعده عقاب أنفسهم ، كان ذلك أعظم في الحسرة.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً)(١٧٤)
(٢) لما أورد الحجّة على جميع الفرق من المنافقين والكفّار واليهود والنّصارى ، وأجاب عن شبهاتهم عمم الخطاب ، ودعا جميع النّاس إلى الاعتراف برسالة محمّد صلىاللهعليهوسلم ، والمراد بالبرهان : محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، وسمّي برهانا ؛ لأن حرفته إقامة البرهان على تحقيق الحقّ ، وإبطال الباطل ، والنّور المبين (٣) هو القرآن ؛ لأنه سبب لوقوع نور الإيمان في القلب.
قوله تعالى : (مِنْ رَبِّكُمْ) فيه وجهان :
__________________
(١) في ب : المستنكفين.
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : البين.