أظهرهما : أنه متعلّق بمحذوف ، لأنه صفة ل «برهان» أي : برهان كائن من ربكم ، و «من» يجوز أن تكون لابتداء الغاية مجازا أو تبعيضيّة ، أي : من براهين ربّكم.
والثاني : أنه متعلّق بنفس «جاء» ، لابتداء الغاية كما تقدّم.
قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً)(١٧٥)
فالمراد : أنهم امتنعوا به من زيغ الشّيطان ، (فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ).
فصل
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : المراد بالرّحمة الجنّة (١) ، وبالفضل : ما يتفضّل به عليهم بما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، [ولا خطر على قلب بشر](٢).
(وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً).
قوله عزّ وجّل : (صِراطاً) : مفعول ثان ل «يهدي» ؛ لأنه يتعدّى لاثنين ؛ كما تقدم تحريره ، وقال جماعة منهم (٣) مكّيّ : إنه مفعول بفعل محذوف دلّ عليه «يهديهم» ، والتقدير : «يعرّفهم». وقال أبو البقاء (٤) قريبا من هذا إلا أنه لم يضمر فعلا ، بل جعله منصوبا ب «يهدي» على المعنى ؛ لأنّ المعنى يعرّفهم ، قال مكيّ (٥) في الوجه الثاني : «ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا ل «يهدي» ، أي : يهديهم صراطا مستقيما إلى ثوابه وجزائه» قال شهاب الدين : ولم أدر لم خصّصوا هذا الموضع دون الذي في الفاتحة [الآية : ٣] ، واحتاجوا إلى تقدير فعل ، أو تضمينه معنى «يعرّفهم»؟ وأجاز أبو عليّ أن يكون منصوبا على الحال من محذوف ؛ فإنه قال : «الهاء في «إليه» راجعة إلى ما تقدّم من اسم الله ، والمعنى : ويهديهم إلى صراطه ، فإذا جعلنا (صِراطاً مُسْتَقِيماً) نصبا على الحال ، كانت الحال من هذا المحذوف». انتهى ، فتحصّل في نصبه أربعة أوجه :
أحدها : أنه مفعول ب «يهدي» من غير تضمين معنى فعل آخر.
الثاني : أنه على تضمين معنى «يعرّفهم».
الثالث : أنه منصوب بمحذوف.
الرابع : أنه نصب على الحال ، وعلى هذا التقدير الذي قدّره الفارسيّ تقرب من الحال المؤكّدة ، وليس كقولك : «تبسّم ضاحكا» ؛ لمخالفتها لصاحبها بزيادة الصفة ، وإن وافقته لفظا ، والهاء في «إليه» : إمّا عائدة على «الله» بتقدير حذف مضاف ؛ كما تقدّم من
__________________
(١) ينظر : الرازي ٩ / ٩٣.
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر : المشكل ١ / ٢١٥.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢٠٥.
(٥) ينظر : المشكل ١ / ٢١٥.