أحدها : أنها تعود على الأختين يدلّ على ذلك قوله : (وَلَهُ أُخْتٌ) ، أي : فإن كانت الأختان اثنتين ، وقد جرت عادة النحويّين أن يسألوا هنا سؤالا ، وهو أنّ الخبر لا بدّ أن يفيد ما لا يفيده المبتدأ ، وإلّا لم يكن كلاما ، ولذلك منعوا : «سيّد الجارية مالكها» ؛ لأن الخبر لم يزد على ما أفاده المبتدأ ، والخبر هنا دلّ على عدد ذلك العدد مستفاد من الألف في «كانتا» ، وقد أجابوا عن ذلك بأجوبة منها : ما ذكره أبو الحسن الأخفش وهو أنّ قوله «اثنتين» يدلّ على مجرّد الاثنينيّة من غير تقييد بصغير أو كبير أو غير ذلك من الأوصاف ، يعني أن الثّلثين يستحقّان بمجرّد هذا العدد من غير اعتبار قيد آخر ؛ فصار الكلام بذلك مفيدا ، وهذا غير واضح ؛ لأنّ الألف في «كانتا» تدلّ أيضا على مجرّد الاثنينيّة من غير قيد بصغير أو كبير أو غيرهما من الأوصاف ، فقد رجع الأمر إلى أنّ الخبر لم يفد غير ما أفاده المبتدأ ، ومنها : ما ذكره مكي (١) عن الأخفش أيضا ، وتبعه الزمخشريّ وغيره ؛ وهو الحمل على معنى «من» ، وتقريره ما ذكره الزمخشريّ ؛ قال رحمهالله : «فإن قلت : إلى من يرجع ضمير التثنية والجمع في قوله : «فإن كانتا اثنتين ، وإن كانوا إخوة»؟ قلت : أصله : فإن كان من يرث بالأخوّة اثنتين ، وإن كان من يرث بالأخوّة ذكورا وإناثا ، وإنما قيل : «فإن كانتا ، وإن كانوا» كما قيل : «من كانت أمّك» ، فكما أنّث ضمير «من» لمكان تأنيث الخبر كذلك ثنّى وجمع ضمير من يرث في «كانتا» و «كانوا» ؛ لمكان تثنية الخبر وجمعه» ، وهو جواب حسن.
إلا أن أبا حيان (٢) اعترضه ، فقال : «هذا تخريج لا يصحّ ، وليس نظير «من كانت أمّك» ؛ لأنه قد صرّح ب «من» ، ولها لفظ ومعنى ، فمن أنّث ، راعى المعنى ؛ لأن التقدير : أية أمّ كانت أمك» ومدلول الخبر في هذا مخالف لمدلول الاسم ؛ بخلاف الآية ؛ فإن المدلولين واحد ، ولم يؤنّث في «من كانت أمك» ؛ لتأنيث الخبر ، إنما أنّث لمعنى «من» ؛ إذ أراد بها مؤنّثا ؛ ألا ترى أنك تقول : «من قامت» ، فتؤنث مراعاة للمعنى ؛ إذ أردت السؤال عن مؤنّث ، ولا خبر هنا ؛ فيؤنّث «قامت» لأجله». انتهى. قال شهاب الدين (٣) : وهذا تحامل منه على عادته ، والزمخشريّ وغيره لم ينكروا أنه لم يصرّح في الآية بلفظ «من» ؛ حتّى يفرّق لهم بهذا الفرق الغامض ، وهذا التخريج المذكور هو القول الثاني في الألف.
والظاهر أنّ الضمير في «كانتا» عائد على الوارثتين ، و «اثنتين» خبره ، و «له» صفة محذوفة بها حصلت المغايرة بين الاسم والخبر ، والتقدير : فإن كانت الوارثتان اثنتين من الأخوات ، وهذا جواب حسن ، وحذف الصفة لفهم المعنى غير منكر ، وإن كان أقلّ من
__________________
(١) ينظر : المشكل ١ / ٢١٦.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٤٢٣.
(٣) ينظر : الدر المصون ٢ / ٤٧٤.