قصد إيلامها ، وإيلام من بلغ في العجز إلى هذا الحد أقبح.
وعند هذه الشبهة افترق المسلمون فرقا كثيرة :
فقالت المكرمية (١) : لا نسلم أن هذه الحيوانات تتألم (٢) عند الذبح ، بل لعلّ تعالى يرفع عنها ألم الذبح ، وهذا مكابرة للضروريات.
وقالت المعتزلة : لا نسلم أن الإيلام قبيح مطلقا ، بل إنما يقبح إذا لم لم يكن مسبوقا بجناية ، ولا ملحوقا بعوض.
وها هنا الله تعالى عوض هذه الجنايات بأعواض شريفة ، فخرج هذا الذبح عن كونه ظلما.
ويدلّ على صحة ما قلناه أن ما تقرر في العقول أنه يحسن تحمل (٣) ألم الفصد والحجامة لطلب الصحة ، فإذا حسن تحمّل الألم القليل لأجل المنفعة العظيمة ، فكذا القول في الذبح.
وقال أهل السّنة : إن الإذن في ذبح الحيوانات تصرف من الله تعالى في ملكه والمالك لا اعتراض عليه إذا تصرف في ملك نفسه ، والمسألة طويلة.
فصل
قال بعضهم (٤) : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) مجمل ؛ لأن الإحلال إنما يضاف إلى الأفعال ، وها هنا أضيف إلى الذات ، فتعذر إجراؤه على ظاهره ، فلا بدّ من إضمار فعل ، وليس إضمار الأفعال أولى من بعض ، فيحتمل (٥) أن يكون المراد إحلال الانتفاع بجلدها ، أو بعظمها ، أو صوفها ، أو لحمها ، أو المراد إحلال الانتفاع بالأكل (٦) ، فصارت الآية مجملة ، إلا أن قوله تعالى : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) [النحل : ٥] دل على أن المراد بقوله : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) إباحة الانتفاع من كل هذه الوجوه ، والله أعلم.
[قوله (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) هذا مستثنى من (بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) والمعنى : ما يتلى عليكم تحريمه](٧) وذلك قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) إلى قوله : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ).
وفي هذا الاستثناء قولان :
__________________
(١) في أ : البكرية.
(٢) في أ : نتكلم.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : تفسير الرازي : ١١ / ٩٩.
(٥) في أ : فيحمل.
(٦) في أ : بالكل.
(٧) سقط في أ.