وظاهر هذه الآية يقتضي أنّ الصيد مطلقا حرام على المحرم ، [إلّا أنّه تعالى أباح في آية أخرى أنّ الصيد المحرّم على المحرم](١) إنّما هو صيد البرّ لا صيد البحر ، بقوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) [المائدة : ٩٦] فبيّن ذلك الإطلاق.
ثم قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) أي أنّ الله تعالى أباح الأنعام في جميع الأحوال ، وأباح الصيد في بعض الأحوال دون بعض ، فلو قال قائل : ما السبب في هذا التفصيل والتّخصيص ، كان جوابه : أنّه تعالى مالك (٢) الأشياء وخالقها (٣) فلا اعتراض عليه في حكمه.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٢)
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) الآية لما حرّم [الله](٤) الصيد على المحرم نهى في هذه الآية عن مخالفة تكاليف الله تعالى.
قال المفسّرون : نزلت في الحطم (٥) ، واسمه : شريح بن ضبيعة البكريّ ، أتى المدينة ، وخلّف خيله خارج المدينة ، ودخل وحده على النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال [له :](٦) إلام تدعو الناس إليه؟ ، فقال : «إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة» ، فقال حسن ، إلّا (٧) أنّ لي أمراء (٨) لا أقطع أمرا دونهم ، ولعلّي أسلم وآتي بهم ، وقد كان النبيصلىاللهعليهوسلم قال لأصحابه : «يدخل عليكم رجل من ربيعة يتكلم بلسان شيطان» (٩) ثم خرج شريح من عنده ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لقد دخل بوجه كافر ، وخرج بقفا غادر ، وما الرّجل بمسلم» ، فمرّ بسرح المدينة فاستاقه وانطلق ، فتبعوه ولم يدركوه ، فلما كان العام المقبل خرج حاجّا في حجاج بكر بن وائل من اليمامة ، ومعه تجارة عظيمة ، وقد قلّدوا الهدي ، فقال المسلمون للنبي صلىاللهعليهوسلم : هذا الحطم قد خرج حاجّا ، فخلّ بيننا وبينه ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إنّه قد قلّد الهدي» ، فقالوا : يا رسول الله هذا
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : خالق.
(٣) في ب : ومالكها.
(٤) سقط في ب.
(٥) في أ : الحطيم.
(٦) سقط في أ.
(٧) في أ : حسبي.
(٨) في ب : تأمر ـ أمرا.
(٩) في أ : بكلام.