فصل
معنى الكلام ما يريد ما بقي مما أكل السبع. قال قتادة : كان أهل الجاهلية إذا جرح السبع شيئا فقتله وأكل بعضه أكلوا ما بقي ، فحرمه الله (١).
قوله تعالى : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) فيه قولان :
أحدهما : أنه استثناء متصل ، والقائلون بهذا اختلفوا ، فقال عليّ ، وابن عباس ، والحسن وقتادة : هو مستثنى من قوله : «والمنخنقة» إلى قوله : «وما أكل السّبع» وعلى هذا إن أدركت ذكاته (٢) بأن وجدت عينا تطرف ، أو ذنبا يتحرّك ، أو رجلا تركض فاذبح فإنّه حلال ، فإنّ هذه الحال تدل على بقاء الحياة فيه بتمامها.
وقال أبو البقاء : والاستثناء راجع إلى المتردّية ، والنّطيحة وأكيلة السبع ، وليس إخراجه المنخنقة [منه بجيّد](٣).
ومنهم من قال : هو مستثنى مما أكل السبع خاصّة.
والقول الثاني : أنّه منقطع ، أي : ولكن (٤) ما ذكيتم من غيرها فحلال ، أو فكلوه ، كأنّ
هذا القائل رأى أنّها وصلت بهذه الأسباب إلى الموت ، أو إلى حالة قريبة فلم تفد تزكيتها عنده شيئا.
والتّذكية : الذّبح ، وذكت النّار : ارتفعت ، وأصل الذّكاة تمام الشيء ومنه الذّكاء في الفهم ، وهو تمامه [والذكاء](٥) في السّن ، وهو النهاية في الشباب ، ذكى الرجل أي : أسنّ ، قال : [الوافر]
١٩٢٥ ـ على أعراقه تجري المذاكي |
|
وليس على تقلّبه (٦) وجهده (٧) |
وقيل : الاستثناء من التحريم لا من المحرمات ، يعني : حرّم عليكم ما مضى إلّا ما ذكّيتم فإنه لكم حلال ، فيكون الاستثناء منقطعا ـ أيضا ـ.
وإذا قيل (٨) : أصل التذكية الإتمام ، فالمراد ههنا إتمام فري الأوداج وإنهار الدّم.
قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «ما أنهر الدّم ، وذكر (٩) اسم الله عليه فكل ليس السّنّ والظّفر» (١٠).
__________________
(١) أخرجه البيهقي في «تفسيره» (٩ / ٥٠٠) عن قتادة.
(٢) في أ : ذكوته.
(٣) في أ : يحيده.
(٤) في ب : يكن.
(٥) سقط في أ.
(٦) في ب : بقلبه.
(٧) ينظر : البحر ٣ / ٤٢٦ ، الدر المصون ٢ / ٤٨٦.
(٨) في ب : كان.
(٩) في أ : وذكى.
(١٠) متفق عليه ، أخرجه البخاري في الصحيح ٥ / ١٣١ ، كتاب الشركة ، باب قسمة الغنم الحديث ـ