فالشرع أبدا [كان](١) كاملا ، إلّا أنّ الأوّل كمال إلى زمان مخصوص والثاني : كمال إلى يوم القيامة ، فلهذا قال : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ).
وأجاب القرطبي (٢) : يقال : لم قلت إن كل نقص فهو عيب ، أرأيت نقصان الشّهر عيبا؟ ونقصان صلاة المسافر أهو عيب ونقصان العمر الذي أراده الله بقوله : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) [فاطر : ١١] أهو عيب؟ وكذلك نقصان أيّام الحيض عن المعهود؟ ونقصان أيام الحمل؟ ونقصان المال بسرقة أو حريق أو غرق إذا لم يفتقر صاحبه؟ فنقصان الدين في الشرع قبل أن يلحق الله الأجزاء الباقية في علم الله تعالى ليس بعيب ، فمعنى قوله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) يخرج على وجهين :
أحدهما : أن المراد بلّغته أقصى الحد الذي كان له عندي فيما قضيته وقدّرته ، وذلك لا يوجب أن يكون ما قبل ذلك ناقصا عما كان عند الله تعالى لكنه يوصف بنقصان مقيّد ، فيقال : أكمل الله ناقصا عما كان عند الله تعالى أنه ملحقه به وضامه إليه كالرجل يبلغه الله تعالى مائة سنة ، فيقال : أكمل الله عمره [فلا يلزم من ذلك أن يكون عمره](٣) ناقصا حين كان ابن ستّين سنة نقص قصور وخلل (٤) ، فإن النبيّ صلىاللهعليهوسلم يقول (٥) : «من عمّره الله ستين سنة فقد أعذر إليه في العمر» (٦). وقد بلغ الله بالظّهر والعصر والعشاء أربع ركعات ، فلو قيل : أكملها كان الكلام صحيحا ، ولا يلزم من ذلك أنّها حين كانت ركعتين كانت ناقصة نقص قصور وخلل ، ولو قيل : كانت ناقصة عما عند الله أنه ضامّه إليها وزائده عليها لكان ذلك صحيحا ، فهكذا هذا في شرائع الإسلام وما كان شرع منها شيئا فشيئا إلى أن أنهى الله الدّين منتهاه الذي كان له عنده.
الثاني : أنّ المراد بقوله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) أنّه وفّقهم إلى الحجّ الذي لم يكن بقي عليهم من أركان دينهم (٧) غيره ، فحجّوا فاستجمع (٨) لهم الدّين أداء لأركانه ، ولقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «بني الإسلام على خمس» الحديث ، وقد كانوا تشهّدوا وصلّوا وزكوا وصاموا وجاهدوا واعتمروا ولم يكونوا حجّوا ، فلما حجّوا ذلك اليوم أنزل الله تعالى وهم بالموقف هذه الآية.
فصل رد شبه الاستدلال بهذه الآية على بطلان القياس
استدلّوا بهذه الآية على بطلان القياس ، لأنّ الآية دلت على أنه تعالى قد نصّ على
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : القرطبي ٦ / ٤٢.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : وحلك.
(٥) في أ : لقوله.
(٦) ذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (١٥ / ٦٧١) رقم (٤٢٦٦٨) وعزاه للرامهرمزي في «الأمثال» عن أبي هريرة مرفوعا.
(٧) في ب : الدين.
(٨) في ب : فاجتمع.