حيث أحلّ لهم ذلك المحرم عند احتياجهم إلى أكله ، وهذا من تمام ما تقدم ذكره في المطاعم التي حرّمها الله تعالى ، يعني : إنها وإن كانت محرمة إلا أنها تحل في حال الاضطرار ، ومن قوله : «فسق» إلى هاهنا ـ اعتراض وقع في النّسق ، والغرض منه تأكيد ما ذكر من معنى التحريم ، فإن تحريم هذه الخبائث من جملة الدّين الكامل والنعمة الثابتة والإسلام الذي هو الدين المرضيّ عند الله تعالى.
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ)(٤)
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) الآية (١).
وهذا أيضا متّصل بما قبله من ذكر المطعومات ، وقد تقدم الكلام على «ماذا» [وما قيل فيها فليلتفت إليه](٢).
وقوله : «لهم» بلفظ الغيبة لتقدم ضمير الغيبة في قوله تعالى : «يسألونك».
ولو قيل في الكلام : ماذا أحلّ لنا؟ لكان جائزا على حكاية الجملة ، كقولك : أقسم زيد ليضربنّ ولأضربنّ ، بلفظ الغيبة والتكلم ، إلا أن ضمير المتكلّم يقتضي حكاية ما قالوا ، كما أن «لأضربن» يقتضي حكاية الجملة المقسم عليها ، و «ماذا أحلّ؟» هذا الاستفهام معلّق للسؤال ، وإن لم يكن السؤال من أفعال القلوب إلّا أنّه كان سبب العلم ، والعلم يعلق ، فكذلك سببه ، وقد تقدم تحريره في «البقرة».
وقال الزمخشري (٣) هنا : في السؤال معنى القول ، فلذلك وقع بعده ماذا أحل لهم ، كأنه قيل : يقولون : ماذا أحل لهم ، ولا حاجة إلى تضمين السؤال معنى القول (٤) ؛ لما تقدم من أن السؤال يعلق بالاستفهام كمسببه.
وقال ابن الخطيب (٥) : لو كان حكاية لكلامهم لكانوا قد قالوا : ماذا أحلّ لهم ، ومعلوم أن ذلك باطل لا يقولونه ، وإنما يقولون ماذا أحلّ لنا ، بل الصحيح أنه ليس حكاية لكلامهم ، بل هو بيان كيفية الواقعة.
قال القرطبي (٦) : «ما» في موضع رفع بالابتداء ، والخبر (أُحِلَّ لَهُمْ) ، و «ذا» زائدة وإن شئت كانت بمعنى «الذي» ، ويكون الخبر (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ).
__________________
(١) في ب : قل أحل الطيبات وما علمتم من الجوارح.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : الكشاف ١ / ٦٠٦.
(٤) سقط في أ.
(٥) ينظر : تفسير : الرازي ١١ / ١١٢.
(٦) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ٤٤.