فصل في سبب نزولها
قال سعيد بن جبير : نزلت هذه الآية في عديّ بن حاتم ، وزيد بن المهلهل [الطائيين وهو](١) زيد الخيل الذي سمّاه النبيّ صلىاللهعليهوسلم زيد الخير ، فقال : «يا رسول الله ، إنّا قوم نصيد بالكلاب ، والبزاة ، فماذا يحلّ لنا منها؟». فنزلت هذه الآية (٢).
وقيل : سبب نزولها أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم لما أمر بقتل الكلاب ، قالوا : يا رسول الله ، ماذا يحلّ لنا من هذه الأمّة التي أمرت بقتلها؟ فنزلت هذه الآية ، فلما نزلت أذن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في اقتناء الكلاب التي ينتفع بها ، ونهى عن إمساك ما لا ينتفع بها (٣).
قوله تعالى : (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) يعني : الذّبائح على اسم الله عزوجل.
وقيل : كلّ ما تستطيبه العرب وتستلذّه من غير أن يرد بتحريمه نصّ من كتاب أو سنة ، وكانت العرب في الجاهلية يحرمون أشياء [من الطيبات](٤) كالبحيرة والسّائبة والوصيلة ، والحام ، فهم كانوا يستطيبونها إلا أنّهم كانوا يحرّمون أكلها لشبهات ضعيفة ، فذكر تعالى أن كلّ ما يستطاب فهو حلال ، وأكّده بقوله تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) [الأعراف : ٣٢] وبقوله : (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) [الأعراف : ١٥٧] ، والطّيب في لغة العرب هو المستلذّ والحلال المأذون ، يصير ـ أيضا ـ طيّبا تشبيها بما هو مستلذ ؛ لأنّهما اجتمعا في انتفاء الضّرورة ، ولا يمكن أن يكون المراد بالطّيّبات هنا المحللات وإلا لصار تقدير الآية : قل [أحلّ](٥) لكم المحللات ، وهذا ركيك ، فوجب حمل الطيبات على المستلذّ المشتهى.
واعلم أن العبرة في الاستلذاذ والاستطابة بأهل المروءة والأخلاق الجميلة ؛ فإنّ أهل البادية يستطيبون أكل جميع الحيوانات ، واعلم أنّ قوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة : ٢٩] يقتضي التّمكن من الانتفاع بكل ما في الأرض ، إلا أنّه ورد تخصيصه بقوله : (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) ، ونص في هذه الآية على إباحة المستلذات والطيبات ، وهذا أصل كبير في معرفة ما يحلّ وما يحرم من الاطعمة.
قوله سبحانه : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) في «ما» هذه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها موصولة بمعنى «الذي» ، والعائد محذوف ، أي [ما](٦) علمتموه ،
__________________
(١) في أ : الطالبين فهو.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٥٩) وعزاه لابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٥٤٦) عن محمد بن كعب القرظي وأخرجه بمعناه عن عكرمة (٩ / ٥٤٦).
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في أ.
(٦) سقط في أ.