ومنه الحديث : «اللهمّ سلّط عليه كلبا من كلابك» (١) فأكله الأسد.
قال أبو حيّان : وهذا الاشتقاق لا يصحّ ؛ لأنّ كون الأسد كلبا هو وصف فيه ، والتكليب من صفة المعلّم ، والجوارح هي سباع بنفسها ، وكلاب بنفسها لا بجعل المعلّم ، ولا طائل تحت هذا الرّدّ.
وقرىء (٢) «مكلبين» بتخفيف اللام ، وفعّل وأفعل قد يشتركان في معنى واحد ، إلا أنّ «كلّب» بالتّشديد معناه : علّمها وضرّاها ، وأكلب معناه صار ذا كلاب (٣).
على أن الزجاج قال : يقال : رجل مكلّب يعني بالتشديد ، ومكلب يعني [من](٤) أكلب وكلّاب يعني بتضعيف اللام أي : صاحب كلاب.
وجاءت جملة الجواب هنا فعلية ، وجملة السؤال هنا اسمية ، وهي ماذا أحل؟ فهي جواب لها من حيث المعنى ، لا من حيث اللفظ ؛ إذ لم يتطابقا في الجنس.
والكلّاب والمكلّب هو الذي يعلم الكلاب الصيد.
فمكلّب صاحب الكلاب كمعلّم : صاحب التّعليم ، ومؤدّب : صاحب التّأديب.
فصل
معنى الآية وأحلّ لكم صيد ما علمتم من الجوارح. واختلفوا في هذه الجوارح ، فقال الضّحاك والسّدّيّ : [هي](٥) الكلاب (٦) دون غيرها (٧) ، ولا يحلّ ما صاده غير الكلب إلا أن يدرك ذكاته ، ولا عمل على هذا ، بل عامّة أهل العلم (٨) على أنّ المراد من الجوارح الكواسب (٩) من سباع البهائم كالفهد ، والنمر ، والكلب ، ومن سباع الطّير كالبازي والعقاب والصّقر ونحوها (١٠) مما يقبل التعليم فيحلّ صيد جميعها.
__________________
(١) أخرجه الحاكم (٢ / ٥٣٩) من طريق أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه ، قال : كان لهب بن أبي لهب يسب النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : اللهم سلط عليه كلبك. فخرج في قافلة يريد «الشام» فنزلوا منزلا فقال : إني أخاف دعوة محمد فقالوا له كلا فحطوا متاعه حوله وقعدوا حوله يحرسونه فجاء الأسد فانتزعه فذهب به.
وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(٢) وقرأ بها الحسن وأبو زيد كما في المحرر الوجيز ٢ / ١٥٧ ، وينظر : البحر المحيط ٣ / ٤٤٥ ، والدر المصون ٢ / ٤٨٩.
(٣) في أ : كلب.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في ب.
(٦) في أ : الكلب.
(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٥٤٩) عن الضحاك والسدي.
(٨) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ١٢.
(٩) في أ : المكاسب.
(١٠) في ب : ونحوها.