فصل
ومعنى (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) يعني الذّبائح على اسم الله عزوجل ، وفي المراد ب (طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) ثلاثة أقوال :
الأوّل : الذّبائح ، يريد ذبائح اليهود والنّصارى ومن دخل في دينهم من سائر الأمم قبل مبعث محمد صلىاللهعليهوسلم.
فأمّا من دخل في دينهم بعد المبعث فلا تحلّ ذبيحته ، فلو ذبح يهوديّ أو نصرانيّ على اسم غير الله (١) ، كالنّصراني يذبح على اسم المسيح ، فاختلفوا فيه : فقال ابن عمر : لا يحلّ ، وهو قول ربيعة. وذهب أكثر العلماء إلى أنه يحلّ ، وهو قول الشّعبيّ وعطاء والزهريّ ومكحول.
وسئل الشعبيّ وعطاء عن النصراني يذبح باسم المسيح قالا : يحلّ ، فإن الله تعالى قد أحلّ ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون.
وقال الحسن (٢) : إذا ذبح اليهوديّ والنصرانيّ فذكر اسم غير الله وأنت تسمع فلا تأكله ، وإذا غاب عنك فكل ، فقد أحلّ الله ذلك.
وأما المجوس (٣) فقد سنّ فيهم سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم دون أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم.
وعن عليّ ـ رضي الله عنه ـ أنّه استثنى نصاري بني تغلب ، وقالوا : ليسوا على النّصرانيّة ، ولم (٤) يأخذوا منها إلا شرب الخمر (٥) ، وبه أخذ الشافعيّ ـ رضي الله عنه ـ وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه سئل عن ذبائح نصارى العرب (٦) ، فقال : لا بأس به ، وبه أخذ أبو حنيفة.
والقول الثاني : أنّ المراد بطعامهم الخبز والفاكهة ، وما لا يحتاج فيه إلى الزكاة ، وهو منقول عن بعض أئمّة الزّيديّة.
القول الثالث : أنّ المراد جميع المطعومات.
وحجّة القول الأوّل : أنّ ما سوى الذبائح حلال قبل أن كانت لأهل الكتاب ، فلا يبقى للتّخصيص بأهل الكتاب فائدة ، ولأن ما قبل هذه الآية في بيان الصيد والذّبائح
__________________
(١) في أ : على غير اسم الله.
(٢) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ١٣.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١١٥.
(٤) في أ : ولما.
(٥) أخرجه الشافعي في «الأم» (٢ / ١٩٦) والبيهقي (٩ / ٢٨٤) والطبري في «تفسيره» (٩ / ٥٧٥) عن علي بن أبي طالب.
وذكره الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» وقال : أخرجه الشافعي وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة.
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٥٧٤) عن ابن عباس.