وقوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ) تقدّم له نظائر.
وقيل : المراد بالإيمان المؤمن به ، فهو مصدر واقع موقع المفعول به كدرهم ضرب الأمير.
وقيل : ثمّ مضاف محذوف ، أي بموجب الإيمان ، وهو الباري ـ تبارك وتعالى ـ.
واعلم أنّ الكافر إنّما يكفر بالله ورسوله. وأمّا الكفر بالإيمان فهو محال ، فلذلك اختلف المفسرون ، فقال ابن عباس ومجاهد قوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ) أي بالله الذي يجب الإيمان به (١) ، وإنّما حسن هذا المجاز ؛ لأنّه يقال : رب الإيمان ورب الشيء قد يسمى باسم ذلك الشيء على سبيل المجاز.
وقال الكلبيّ : «بالإيمان» (٢) بكلمة التّوحيد (٣) ، وهي شهادة أن لا إله إلّا الله ؛ لأنّ الإيمان من لوازمها ، وإطلاق الشّيء على لازمه مجاز مشهور.
وقال قتادة : إنّ ناسا من المسلمين ، قالوا : كيف نتزوج نساءهم مع كونهم على غير ديننا ، فأنزل الله هذه الآية : (وَمَنْ يَكْفُرْ) أي بما [نزل](٤) في القرآن ، فهو كذا وكذا ، فسمّى القرآن إيمانا ؛ لأنّه مشتمل على [بيان](٥) كلّ ما لا بدّ منه في الإيمان. وقيل : ومن (يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ) أن يستحلّ الحرام ويحرّم الحلال (فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ).
فصل
القائلون بالإحباط ، قالوا : المراد بقوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) فقد حبط ، أي : عقاب كفره يزيل ما كان حاصلا له من ثواب إيمانه ، والذين ينكرون القول بالإحباط قالوا : معناه أن عمله الذي أتى به بعد ذلك الإيمان فقد هلك وضاع ، فإنّه إنّما يأتي بتلك الأعمال بعد الإيمان لاعتقاده أنها خير من الإيمان فإذا لم يكن الأمر كذلك ، بل كان ضائعا باطلا كانت تلك الأعمال باطلة في نفسها (٦).
قوله تعالى : (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) الظّاهر أن الخبر قوله : (مِنَ الْخاسِرِينَ) ، فيتعلّق قوله : (فِي الْآخِرَةِ) بما تعلّق به هذا الخبر.
وقال مكّيّ (٧) : العامل في الظّرف محذوف تقديره : هو خاسر في الآخرة ، ودلّ على المحذوف قوله : (مِنَ الْخاسِرِينَ) فإن جعلت الألف واللام في «الخاسرين» ليستا
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٥٩٣) وذكره الرازي في «التفسير الكبير» (١١ / ١١٧).
(٢) في ب : الإيمان.
(٣) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (١١ / ١١٧) عن الكلبي.
(٤) سقط في ب.
(٥) سقط في ب.
(٦) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١١٧.
(٧) ينظر : المشكل ١ / ٢٢٠.