بمعنى «الذين» جاز أن يكون العامل في الظّرف (مِنَ الْخاسِرِينَ) ، بمعنى أنّه لو كانت موصولة لامتنع أن يعمل ما بعدها فيما قبلها ؛ لأنّ الموصول لا يتقدم عليه ما في حيّزه ، وهذا كما قالوا في قوله : (إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) [الشعراء : ١٦٨] ، (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) [يوسف : ٢٠].
وتقدير مكيّ متعلّق هذا الظرف وهو خاسر ، وإنّما هو بناء على كون «أل» (١) موصولة بدليل قوله : فإن جعلت الألف واللّام ليستا بمعنى «الذين» وبالجملة فلا حاجة إلى هذا التقدير ، بل العامل فيه كما تقدّم العامل في الظرف الواقع خبرا ، وهو الكون المطلق ، ولا يجوز أن يكون «في الآخرة» هو [الخبر و (مِنَ الْخاسِرِينَ) متعلق بما تعلق به ، لأنه لا فائدة في ذلك ، فإن جعل](٢)(مِنَ الْخاسِرِينَ) حالا من ضمير الخبر ، ويكون حالا لازمة جاز ، وهو ضعيف في الإعراب ، وقد تقدّم نظير هذه الآية في «البقرة» عند قوله : (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [البقرة : ١٣٠].
فصل
قوله : (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) مشروط بشرط غير مذكور في الآية ، وهو أن يموت على ذلك الكفر إذ لو تاب عن الكفر لم يكن في الآخرة من الخاسرين ، ويدل على أنّه لا بدّ من هذا الشّرط قوله : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) [البقرة : ٢١٧].
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(٦)
قوله سبحانه وتعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) الآية اعلم أنّ الله تعالى افتتح السورة بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ). فطلب الوفاء بعهد العبوديّة ، فكأنّ العبد قال : يا إلهي ، العهد (٣) نوعان : عهد الرّبوبيّة منك ، وعهد العبوديّة منا ، فأنت أولى بأن تقدم الوفاء (٤) بعهد الرّبوبية والكرم ، [نعم أنا أوفي بعهد الربوبية والكرم](٥) ومعلوم أنّ منافع الدنيا محصورة في نوعين : لذات المطعم ، ولذات المنكح ،
__________________
(١) في أ : إلى.
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : فالعهد.
(٤) في ب : أولى بالوفاء.
(٥) سقط في ب.