وقال بعضهم (١) : أراد بقوله (وَأَرْجُلَكُمْ) : المسح على الخفين ، كما روي أنّ النّبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ «كان إذا ركع وضع يده على ركبتيه» ، وليس المراد منه أنّه لم يكن بينهما حائل ، ويقال : قبّل فلان رأس الأمير ويده ، وإن كانت العمامة على رأسه ويده في كمه فالواجب في غسل أعضاء الوضوء هذه الأربعة.
فصل : حكم النيّة في الوضوء
اختلفوا في وجوب النية فذهب أكثر العلماء إلى وجوبها لأن الوضوء عبادة فيفتقر إلى النية كسائر العبادات ، ولقوله عليهالسلام : «إنّما الأعمال بالنيّات» وذهب النووي وأصحاب الرّأي إلى عدم وجوبها.
فصل [حكم الترتيب]
واختلفوا في وجوب الترتيب (٢) وهو أن يغسل أعضاءه على التّرتيب المذكور في الآية فذهب مالك والشافعيّ ، وأحمد وإسحاق إلى وجوبه ، ويروى ذلك عن أبي هريرة ، واحتجّوا (٣) بقول الله (٤) تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) فاقتضى وجوب الابتداء بغسل الوجه ؛ لأنّ الفاء للتّعقيب ، وإذا أوجب الترتيب في هذا العضو ؛ وجب في غيره ، إذ لا قائل بالفرق.
[قالوا : فاء التعقيب إنما دخلت](٥) في جملة هذه الأعمال ، فجرى [الكلام](٦) مجرى قوله : إذا قمتم إلى الصلاة ، فأتوا بمجموع هذه الأفعال.
قلنا : فاء التّعقيب إنّما دخلت على الوجه لالتصاقها بذكر الوجه ، وبواسطة دخولها على الوجه ، دخلت على سائر الأفعال ، فكان دخولها على الوجه أصل ، ودخولها على المجموع تبع لدخولها على غسل الوجه ، فنحن اعتبرنا دلالة الفاء في الأصل ، واعتبرتموها في التبع ، فكان قولنا أولى (٧).
وأيضا فقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «ابدءوا بما بدأ الله به» (٨) يقتضي العموم ، وأيضا فإهمال الترتيب في الكلام مستقبح فيجب تنزيه كلام الله تعالى عنه ، وكونه تعالى أدرج ممسوحا بين مغسولين ، وقطع النّظير عن النظير ، يدلّ على أنّ التّرتيب مراد.
وأيضا فإن وجوب الوضوء غير معقول المعنى ؛ لأنّ الحدث يخرج من موضع
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ١٦.
(٢) ينظر تفسير البغوي ٢ / ١٧.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٢١.
(٤) في ب : بقوله.
(٥) في أ. جعلت.
(٦) سقط في أ.
(٧) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٢١.
(٨) أخرجه مسلم (٢ / ٨٨٦ ـ ٨٨٧) كتاب الحج باب حج النبي صلىاللهعليهوسلم (١٤٧ / ١٢١٨) من حديث جابر.