والثاني : أنّها لابتداء الغاية ، ولهذا لا يشترط عند هؤلاء أن يتعلّق [باليد](١) غبار.
وقوله تعالى : «ليجعل» : الكلام في هذه «اللّام» كالكلام عليها في قوله (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) [النساء : ٢٦] ، إلا أنّ من جعل مفعول الإرادة محذوفا ، وعلّق به «اللّام» من «ليجعل» زاد «من» في الإيجاب في قوله : «من حرج» ، وساغ ذلك ؛ لأنّه في حيّز النّفي ، وإن لم يكن النّفي واقعا على فعل الحرج ، و «من حرج» مفعول «ليجعل».
و «الجعل» : يحتمل أنّه بمعنى الإيجاد والخلق ، فيتعدّى لواحد وهو (مِنْ حَرَجٍ) و «من» مزيدة فيه كما تقدّم ، ويتعلّق «عليكم» حينئذ بالجعل ، ويجوز أن يتعلّق ب «حرج».
فإن قيل : هو مصدر ، والمصدر لا يتقدّم معموله عليه ، قيل : ذلك في المصدر المؤوّل بحرف مصدريّ وفعل ، لأنه بمعنى الموصول ، وهذا ليس مؤوّلا بحرف مصدريّ ، [ويجوز أن يكون الجعل بمعنى التّصيير] ، فيكون «عليكم» هو المفعول الثّاني.
فصل في معنى الآية
المعنى (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ) : بما فرض من الوضوء والغسل والتّيمّم ، (مِنْ حَرَجٍ) : من ضيق ، «ولكن يريد ليطهّركم» : من الأحداث والجنابات (٢) والذّنوب.
فصل
قالت المعتزلة : دلّت هذه الآية على أنّ الأصل في المضارّ ألّا تكون مشروعة ، فإنّه تعالى ما جعل علينا في الدّين من حرج ، وقال تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥] ، وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» (٣) وأيضا فدفع الضّرر مستحسن في العقول ، فوجب أن يكون كذلك في الشّرع.
قوله ـ سبحانه ـ : (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ).
اختلفوا في تفسير هذا التّطهير ، قال جمهور الحنفيّة : إنّ عند خروج الحدث تنجس الأعضاء نجاسة حكميّة ، والمقصود من هذا التّطهير إزالة [تلك](٤) النجاسة الحكميّة ، وهذا بعيد لوجوه :
إحداها : قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) [التوبة : ٢٨] ، وكلمة «إنّما» للحصر ، وهذا يدلّ على أنّ المؤمن لا تنجس أعضاؤه.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : والأنجاس.
(٣) تقدم.
(٤) سقط في أ.