والثالث : أنّه متعلّق بمحذوف على أنّه حال من «نعمته».
ذكر هذين الوجهين الأخيرين أبو البقاء (١) ، وهذه الآية بخلاف التي قبلها [في قوله](٢) : (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) ، حيث امتنع تعلّق الجارّ بالنّعمة ؛ لتقدّم معمول المصدر [عليه](٣) كما تقدّم بيانه.
قال الزّمخشريّ : وقرىء (٤) «فأطهروا» أي : أطهروا [أبدانكم](٥) ، وكذلك «ليطهركم» ، يعني : أنّه قرىء «أطهروا» أمر من «أطهر» رباعيّا ك «أكرم» ، ونسب النّاس القراءة الثّانية ، أعني قوله : «ليطهركم» لسعيد بن المسيّب.
ثم قال تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ، والكلام في لعلّ مذكور في البقرة عند قوله (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة : ١٨٣].
قوله تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً)(٧)
قوله ـ سبحانه ـ : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) الآية.
لما ذكر التّكاليف أردفه بما يوجب عليهم القبول والانقياد ، وذلك من وجهين :
الأوّل : كثرة نعم الله عليهم ؛ لأنّ كثرة النّعم توجب على المنعم عليه الاشتغال بخدمة المنعم ، والانقياد لأوامره ونواهيه.
وقال : (نِعْمَةَ اللهِ) ولم يقل «نعم الله» ؛ لأنّ هذا الجنس لا يقدر عليه غير الله ؛ لأنّ نعمة الحياة ، والصّحّة ، والعقل ، والهداية ، والصّون من الآفات ، وإيصال الخيرات في الدّنيا والآخرة شيء لا يعلمه إلّا الله تعالى ، وإنّما المراد [التّأمّل](٦) في هذا النّوع من حيث إنّه ممتاز عن نعمة غيره.
والوجه الثاني في السبب الموجب للانقياد للتّكاليف : هو الميثاق الذي واثقكم به.
فإن قيل : [قوله](٧)(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) مشعر بسبق (٨) النّسيان ، وكيف يمكن نسيانها [مع أنها](٩) متواترة متوالية [علينا](١٠) في جميع السّاعات والأوقات؟ فالجواب : أنّها لكثرتها وتعاقبها صارت كالأمر المعتاد ، فصارت غلبة ظهورها وكثرتها سببا لوقوعها محلّ النّسيان(١١).
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢١٠.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : الكشاف ١ / ٦١١.
(٥) في أ : أيديكم.
(٦) سقط في أ.
(٧) سقط في أ.
(٨) في ب : يشعر سبق.
(٩) في أ : هي.
(١٠) في أ : عليها.
(١١) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٤١.