يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٨) وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ)(١٠)
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) الآية.
لما حثّهم على الانقياد للتّكاليف ، وهي مع كثرتها محصورة في نوعين : التّعظيم لأمر الله ، والشّفقة على خلق الله.
قوله : (كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ) إشارة إلى التّعظيم لأمر الله ، ومعنى القيام لله : هو أن يقوم لله بالحقّ في كلّ ما يلزمه ، وقوله : (شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) إشارة إلى الشّفقة على خلق الله ، فيه قولان :
الأوّل : قال عطاء (١) : لا تحاب من شهادتك أهل ودّك وقرابتك ، ولا تمنع شهادتك أعداءك وأضدادك.
الثاني : أمرهم بالصّدق في أفعالهم وأقوالهم ، وتقدّم نظيرها في «النّساء» ، إلّا أنّ هناك قدّم لفظة «القسط» وهنا أخّرت ، وكأنّ الغرض في ذلك ـ والله أعلم ـ أنّ آية «النّساء» جيء بها في معرض الإقرار على نفسه ووالديه وأقاربه ، فبدىء فيها بالقسط الذي هو العدل من غير محاباة نفس ، ولا والد ، ولا قرابة ، والّتي هنا جيء بها في [معرض](٢) ترك العداوة ، فبدىء فيها [بالأمر](٣) بالقيام لله ، لأنّه أردع للمؤمنين ، ثم ثنّي بالشّهادة بالعدل ، فجيء في كلّ معرض بما يناسبه.
وقوله : (لا يَجْرِمَنَّكُمْ) تقدّم مثله ، وكذلك (شَنَآنُ قَوْمٍ).
قوله تعالى : (عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا).
أي لا يحملنّكم بغض قوم على أن لا تعدلوا ، وأراد : لا تعدلوا فيهم فحذف للعلم به ، وظهور حرف الجرّ هنا يرجح تقديره.
قيل : والمعنى : ولا يحملنّكم [بغض](٤) قوم على أن تجوروا عليهم ، وتتجاوزوا الحدّ ، بل اعدلوا فيهم ، وإن أساءوا إليكم ، وهذا خطاب عامّ ، وقيل : إنّها مختصّة بالكفّار ، فإنّها نزلت في قريش لما صدّوا المسلمين عن المسجد الحرام (٥).
قوله : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى).
نهاهم أوّلا عن أن يحملهم البغضاء على ترك العدل ، ثم استأنف فصرّح لهم بالأمر
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٤٢.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في أ.
(٥) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٤٣.