ومعنى بسط اليد مدّها إلى المبطوش به كقولهم : فلان بسيط الباع ، ومديد الباع بمعنى واحد ، يقال : بسط إليه لسانه إذا شتمه ، وبسط إليه يده إذا بطش به ، (فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) أي : منعها أن تصل إليكم.
ثم قال : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أي : كونوا مواظبين على طاعة الله ، ولا تخافوا أحدا في إقامة طاعة الله.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ)(١٢)
قوله جلا وعلا : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) الآية في اتّصال هذه الآية بما قبلها وجوه :
أحدها : أنه لما ذكر في الآية الأولى ، وهو قوله : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا) [المائدة : ٧] ، ذكر بعده أخذ الميثاق من بني إسرائيل لكنّهم نقضوه ، وتركوا الوفاء به ، أي فلا تكونوا مثل أولئك من اليهود في هذا الخلق الذّميم ، فتصيروا مثلهم فيما نزل بهم.
وثانيها : لما قال تعالى : (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) ، وقد تقدّم في بعض روايات أسباب النّزول أنّها نزلت في اليهود ، وأنّهم أرادوا إيقاع الشّرّ برسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فلما ذكر الله تعالى [ذلك](١) أتبعه بذكر فضائحهم ، وبيان (٢) أنّهم [أبدا](٣) كانوا مواظبين (٤) على نقض المواثيق.
ثالثها : أنّ الغرض من الآيات المتقدّمة ترغيب المكلّفين في قبول التكاليف وترك العصيان ، فذكر تعالى أنّه كلّف من كان قبلكم كما كلّفكم ؛ لتعلموا أنّ عادة الله في عباده أن يكلّفهم ، فليس التّكليف مخصوصا بكم أيّها المؤمنون ، بل هي عادة جارية له مع جميع عباده (٥).
قوله سبحانه : (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً).
[«منهم»](٦) يجوز أن يتعلّق ب «بعثنا» ، ويجوز أن يتعلّق بمحذوف على أنّه حال من
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : وبين.
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : مناقضين.
(٥) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٤٥.
(٦) سقط في أ.