فإن قيل : من كفر قبل ذلك أيضا فقد ضلّ سواء السّبيل؟ فالجواب : نعم ، ولكن الضّلال بعده أظهر وأعظم ؛ لأنّ الكفر إنما عظم قبحه لعظم النّعمة المكفورة ، فإذا زادت النّعمة زاد قبح الكفر.
قوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(١٣)
قوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) الآية.
قد تقدّم الكلام على نظيره.
قال القرطبي (١) : والمعنى : فبنقضهم ميثاقهم ، و «ما» زائدة للتّوكيد.
قال قتادة وغيره (٢) : وذلك أنّها تؤكّد الكلام بمعنى تمكنه في النّفس من جهة حسن النّظم ، ومن جهة تكثيره [للتّوكيد](٣) ، كقوله [الوافر]
١٩٤٥ ـ ................ |
|
لشيء مّا يسوّد من يسود (٤) |
وقيل : نقض الميثاق تكذيب الرّسل ، وقيل (٥) : الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وقيل : كتمانهم صفة محمّد صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : المجموع.
وقال عطاء : «لعنّاهم» أبعدناهم من رحمتنا ، وقال الحسن ومقاتل : مسخناهم قردة وخنازير. وقال ابن عبّاس : ضربنا الجزية عليهم (٦).
قوله تعالى : (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً).
قرأ الجمهور «قاسية» اسم فاعل من قسا يقسو.
وقرأ (٧) الأخوان وهي قراءة عبد الله «قسيّة» بفتح القاف وكسر السّين وتشديد الياء ، واختلف الناس في هذه القراءة.
فقال الفارسي : ليست من ألفاظ العرب [في الأصل](٨) ، وإنّما هي كلمة أعجميّة معرّبة ، يعني أنها مأخوذة من قولهم : درهم قسيّ ، أي : مغشوش ، شبّه قلوبهم في كونها غير صافية من الكدر بالدّراهم المغشوشة غير الخالصة ، وأنشدوا قول أبي زبيد : [البسيط]
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ٧٦.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : القرطبي ٦ / ٧٦.
(٥) في ب : قتل.
(٦) تقدمت هذه الآثار في سورة النساء وآل عمران.
(٧) ينظر : الحجة ٣ / ٢١٦ ، وحجة القراءات ٢٢٣ ، وإعراب القراءات ١ / ١٤٤ ، والعنوان ٨٧ ، وشرح شعلة ٣٤٨ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢٢٦ ، وإتحاف ١ / ٥٣١.
(٨) سقط في أ.