قال أبو البقاء (١) : «ولو قرىء بالجرّ على البدل لكان مستقيما» ، يعني على البدل من «خائنة» ، فإنّه في حيز (٢) كلام غير موجب.
والثاني ذكره ابن عطيّة (٣) : أنّه الفعل أي : لا تزال تطّلع على فعل الخيانة إلا فعلا قليلا ، وهذا واضح إن أريد بالخيانة أنّها صفة للفعلة المقدّرة كما تقدّم ، ولكن يبعد ما قاله ابن عطيّة قوله بعده : «منهم» ، وقد تقدّم لنا نظير ذلك في قوله : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) [النساء : ٦٦] من حيث جوّز الزّمخشريّ فيه أن يكون صفة لمصدر محذوف.
الثالث : أنّه «قلوبهم» في قوله تعالى : (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) ، قال صاحب هذا القول : والمراد بهم : «المؤمنون ؛ لأنّ القسوة زالت عن قلوبهم» ، وهذا بعيد جدّا ؛ لقوله : «لعنّاهم».
الرابع : أنّه الضّمير في «منهم» من (٤) قوله : (عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) قاله مكيّ (٥).
قوله [تعالى] : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ).
قيل : «العفو» نسخ بآية السّيف ، وقيل : لم ينسخ ، وعلى هذا فيه وجهان :
أحدهما : معناه : فاعف عن مؤمنيهم ، ولا تؤاخذهم بما سلف منهم.
الثاني : أنّا إن حملنا القليل على الكفّار [منهم الذين بقوا على الكفر] ، فالمعنى : أنّ الله تعالى أمر رسوله بالعفو عنهم في صغائر زلّاتهم ما داموا باقين على العهد ، وهو قول أبي مسلم(٦).
ثم قال تعالى : و (اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
قال ابن عبّاس : إذا عفوت فأنت محسن ، وإذا كنت محسنا فقد أحبّك الله (٧).
وقيل : المراد بهؤلاء المحسنين : هم المعنيّون بقوله تعالى : (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) وهم الذين ما نقضوا العهد.
قوله تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ)(١٤)
قوله سبحانه : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) الآية.
في قوله : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا) خمسة أوجه :
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢١١.
(٢) في أ : جره.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٦٩.
(٤) في أ : في.
(٥) ينظر : المشكل ١ / ٢٢٣.
(٦) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٤٨.
(٧) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (١١ / ١٤٨ ـ ١٤٩) عن ابن عباس.