دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (٢٤) قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ)(٢٥)
الواو في قوله : «وإذ قال» واو عطف ، وهو متّصل بقوله : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) ، كأنّه قيل : أخذ عليهم الميثاق ، وذكر موسى نعم الله وأمرهم بمحاربة الجبّارين ، فخالفوا الميثاق ، وخالفوا في محاربة الجبّارين.
واعلم : أنّه تعالى منّ عليهم بثلاثة أمور (١) :
أوّلها : جعل فيهم أنبياء ؛ لأنّه ما بعث في أمّة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء ، فمنهم السّبعون الذين اختارهم موسى من قومه فانطلقوا معه إلى الجبل ، وكانوا من أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، وهؤلاء الثّلاثة من أكابر الأنبياء بالاتّفاق ، وأولاد يعقوب ـ أيضا ـ كانوا أنبياء على قول الأكثرين (٢) ، والله تعالى أعلم موسى أنّه لا يبعث من الأنبياء إلا من ولد يعقوب ومن ولد إسماعيل ، [فهذا الشّرف](٣) حصل بمن مضى من الأنبياء ، وبالّذين كانوا حاضرين مع موسى ، وبالّذين أخبر الله موسى أنّه يبعثهم من ولد يعقوب وإسماعيل بعد ذلك.
وثانيها : قوله (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) ، قال ابن عبّاس : أصحاب خدم وحشم (٤).
قال قتادة : كانوا أوّل من ملك الخدم ، ولم يكن قبلهم خدم (٥) ، وعن أبي سعيد الخدريّ عن النّبي صلىاللهعليهوسلم : «كان بنو إسرائيل إذا كان لأحد خادم وامرأة ودابّة يكتب ملكا» (٦).
وقال أبو عبد الرّحمن السّلمي (٧) : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص ، وسأله رجل فقال : ألسنا فقراء (٨) المسلمين المهاجرين؟ فقال له عبد الله : «ألك امرأة تأوي إليها؟ قال : نعم ، قال : ألك سكن تسكنه؟ قال : نعم ، قال : فأنت من الأغنياء ، قال : لي خادم ، قال : فأنت من الملوك» (٩).
__________________
(١) في ب : بأمور ثلاثة.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٥٤.
(٣) في أ : فمنه.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥١٠) عن ابن عباس.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥١٠) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٤٧) عن قتادة.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» عن أبي سعيد الخدري مرفوعا كما في «الدر المنثور» (٢ / ٤٧٨).
وللحديث شواهد عن زيد بن أسلم.
أخرجه الزبير بن بكار في «الموفقيات» كما في «الدر» (٢ / ٤٧٨) ومن طريقه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥١٠) بلفظ : من كان له بيت وخادم فهو ملك وأخرجه أبو داود في مراسيله (٢٠٤).
(٧) في أ : الحنبلي.
(٨) في أ : فعل.
(٩) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥١٠) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٧٨) وزاد نسبته لسعيد بن منصور عن عبد الله بن عمرو بن العاص.